المراهقة يضفي من خياله المسحور على كل شيء حوله فتبدو الأشياء العادية كأنها أطياف من عالم مسحور!
وفي مبدأ الفترة التي نتحدث عنها تكون في نفسه بقية من هذا الخيال المسحور تشكل عواطفه نحو الجنس الآخر. ولكنها -تدريجيًّا- تأخذ صورًا أكثر تحديدًا وأكثر واقعية.
إن هذه الفترة -في الفطرة السوية- هي فترة البحث الجاد عن شريكة الحياة.
وفي غير الجاهلية المعاصرة كان الناس يتسجيبون لدافع الفطرة السوية، فيتم الزواج بالفعل في فترة الشباب الباكر، وتكون تجربة الزواج من التجارب المؤهلة لتمام النضج.
ولكن الجاهلية المعاصرة -لأمور كثيرة تراد- أبطلت ذلك كله، وأحدثت واقعًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا لا ييسر الزواج المبكر بل يضع أمامه كل العراقيل كما قال "ول ديورانت" فيما نقلناه عنه من قبل، في ذات الوقت الذي تيسر فيه كل أنواع الفاحشة, وتصبح هي الأصل في حياة الناس! ثم تصاغ حول هذا الواقع نظريات وأفكار زائفة لتبريره, وتثبيته وتزيينه لكي لا يرجع الناس عنه ولا يفيئوا إلى فطرتهم السوية!
فأما الواقع فهو تعجيز الشباب عن الكسب المؤهل للزواج حتى فترة متأخرة من العمر، وتصعيب الحياة وتكثير مطالبها، ورفع أسعارها حتى تصبح حاجزًا يصعب تخطيه أو يستحيل تخطيه!
وأما النظريات والأفكار فتقول إن الشباب ينبغي أن ينضج أولًا قبل أن يتزوج لكي يستقر زواجه فيما بعد، ولا ينضج حتى تكون له علاقات جنسية كاملة واقعية ينضج من خلالها، ثم يتزوج بعد ذلك إن أراد!
من ثم تتحول فترة الشباب الباكر في هذه الجاهلية إلى فترة من العبث الماجن الذي لا تحده حدود. ثم تؤلف كتب في التربية وعلم النفس تقول: إن هذه الفترة فترة يتجه فيما كل من الجنسين إلى إقامة علاقات "واقعية" مع الجنس الآخر للتعرف عليه تمهيدًا للزواج والاستقرار الذي يأتي في مرحلة متأخرة فيما بعد، وإنه لا بد من وجود هذه العلاقات وإتاحتها لكي لا يحدث الكبت واضطراب الأعصاب، وإن الحالات التي لا تقوم فيها مثل