وكل ذلك واجب على المربي، ولكنه يؤتي ثماره على المدى، ويظل طابع الطفولة هو التمركز حول الذات.

ثم تجيء فترة المراهقة فيحدث فيها نمو نفساني ملحوظ.

إن المراهق أيضًا ممركز حول ذاته، ولكن على طريقة أخرى غير طريقة الطفل. ثم إنه -مع اهتمامه الشديد بذاته، ورغبته الشديدة في أن يظل اهتمام الآخرين متعلقًا به- فإن له مشاعر كثيرة يتوجه بها نحو الآخرين، ويهتم فيها بأشخاصهم.

إن الطفل -في تمركزه حول نفسه- يظل يستخدم الآخرين لتحقيق طلباته؛ لأنه بطبيعة الحال لا يملك أن يلبي لنفسه كل ما يريد من حاجات, وإن ربي تربية استقلالية وعود منذ صغره الاعتماد على نفسه، أما المراهق فإنه -في تمركزه حول نفسه- يريد أن يثبت وجوده، يريد أن يهتم الناس به لما يفعله هو لا بما يفعله الآخرون له! إنه -في خياله أو في وهمه- بطل! إنه خارق القدرة! إنه حدث تاريخي! وهو يريد من الناس أن يعرفوا بطولته الفائقة هذه ويقروا بها! ولذلك فهو يحاول لفت نظرهم دائمًا بما يأتي من الأعمال التي يراها خارقة وغير مسبوقة!

ولا شك أن المراهق المسلم شيء آخر مختلف كثيرًا عن المراهق الجاهلي، في هذه النقطة وفي غيرها من النقاط كما بينا في الفصل السابق. ولكن ليس في الإمكان -ولا من المصلحة- قتل الشعور بالذات في هذه المرحلة، ولا كذلك في أي مرحلة أخرى. إنما ينبغي تهذيب هذه الشعور بما بينا من منهج التربية الإسلامية وما سنبين فيما بعد.

أما الفترة التي نحن بصددها فقد حدث فيها نمو نفسي هائل.

لم يعد الفتى ممركزًا حول ذاته بالصورة التي كان عليها في الطفولة وفي المراهقة، إنما صار خط "الغيرية" واضحًا وبارزًا في نفسه وفي حياته.

لم يفقد إحساسه بذاته، وليس من المصلحة أن يحدث ذلك.

ولكن انظر إلى اهتماماته.

لقد كان المراهق قد بدأ يهتم بالآخرين ... ولكن من كان أولئك الآخرون؟ إنهم أشخاص محدودون يتعلق بهم ولاؤه وحبه وعواطفه. أما المجتمع. أما المجموع البشري. فأشباح من بعيد لم تتبين ملامحها في حسه بعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015