أريد أن أكون فتاكًا أو قاطع طريق أو عضوًا في عصابة من العصابات التي ترهب الناس.
ثم لقد نما نموًّا نفسيًّا هائلًا في هذه الفترة.
لقد كان في طفولته مشغولًا بنفسه يعيش في محيطها، وفي حدود عالم قريب محدود. فطعامه وشرابه وإفرازاته وملابسه ولعبه وأدواته هي المسائل الكبرى التي تشغله، والتي يطلب من والديه أن يحققاها له كلما أرادها أو رغب فيها, وهو يتوقع من والديه أن يكونا حت تصرفه دائمًا كلما أرادها أو أراد منهما أن يحققا له شيئًا من مطالبه المتوالية التي لا تكف, وإن كانت محدودة النطاق.
ثم يكبر قليلًا، ويتسع عالمه قليلًا، ولكنه ما زال ممركزًا حول نفسه. فذاته هي مركز حياته ومركز اهتمامه. وأبواه، ومن حوله، هم "الأدوات" التي يستخدمها لتحقيق رغباته، ويتوقع منهم أن يكونوا دائمي الاهتمام به، دائمي التلبية لما يعن له من حاجات.
فإذا استقام على منهج التربية السليم فسيتعود أن يضبط بعض رغباته ويسيطر عليها، ولكنه ما زال يعيش ممركزًا حول ذاته؛ لأن هذا طابع المرحلة الطبيعي الذي لا بد أن يأخذ مجراه.
ثم يكبر أكثر، ويتسع عالمه أكثر، فيتعرف على وجوه جديدة غير الوالدين، وأماكن جديدة غير المنزل، وتنشأ بينه وبين بعض الناس وبعض الأماكن صداقات، ويطلب من والديه أحيانًا أن يخرجا به خارج المنزل ليرى شيئًا معينًا مما أصبح يحبه، أو يلتقي بأشخاص معينين صغار أو كبار يكون قد تعلق بهم. ولكنه ما زال في ذلك كله مركز الاهتمام حول ذاته قبل كل شيء.
ومنهج التربية السليم يعوده شيئًا فشيئًا أن يخرج من دائرة ذاته، فيعطي من لعبه ومن حلواه لأطفال غيره، ويتعاون معهم في اللعب، ويتعود أن يأخذ منهم ويعطي. كما يعوده أن يلتزم آدابًا معينة تجاه الآخرين تخرجه من دائرة ذاته إلى تعود احترام الآخرين، فيتعود أن يحس بوجود ذوات أخرى غير ذاته، فيخف تدريجيًّا تعلقه بذاته.