عن الشر، وجذبها إلى الخير، الذي لا يرون نماذج حقيقية له فيما حولهما من المجتمع، إنما يرونه -على الأكثر- في البيت المسلم الذي يتربون فيه، ثم في نماذج المجتمع المسلم التاريخي الذي يسمعون عنه ولا يرونه بالفعل؛ وفيما يدعو إليه كتاب الله وسنة رسوله. كما يحتاج الأمر إلى الغسيل اليومي الدائم لإزالة أدران الجاهلية قبل أن تلصق في النفوس، وإلى الاجتهاد في اختيار الأصدقاء من أنظف النماذج المتيسرة في هذا المجتمع الجاهلي وأقربها إلى الاستقامة. وكذلك في اختيار الصحيفة والمجلة والكتاب وإن كان هذا مهمة عسيرة، فالفساد سار فيها كلها على السواء! أما السينما والتلفزيون فينبغي على المربي المسلم أن يبذر في فتاه وفتاته كل استنكاف من قذاراتهما وكل ترفع على ما فيهما من فساد، حتى ينفرا منهما تلقائيًّا دون حجر. فالحجر بغير اقتناع بأسبابه لا يؤدي وظيفته التربوية المطلوبة.
وهو جهد لا بد أن يبذل على كل حال. والله هو الذي يعطي الثمرة في كل حال!
وأخيرًا فإن من "مشكلات" تلك الفترة فيما تقول الجاهلية مسألة الصراع بين الأجيال: بين جيل الآباء وجيل الأبناء، والشقاق الذي ينشب بينهما، ويجعل الفتى والفتاة ينظران إلى أبويهما نظرتهما إلى جيل "متخلف" غير واع وغير مدرك "للتطور" الذي وصلت إليه الأمور في المجتمع الجديد، ومن هنا لا يقتنعان بتوجيهاتهما وأوامرهما ولا ينفذانها. ثم يقوم الصراع من الجانبين.
وعلى الرغم من كون هذه "المشكلة" تنبت بذورها في المرحلة التي نحن بصددها الآن، فإننا نؤثر أن نؤجل الحديث عنها إلى الفصل القادم حين نتحدث عن مرحلة الشباب المتجه إلى النضوج. فالمشكلة أظهر هناك وأوضح، وشكوى الآباء فيها أشد، إذ تصل إلى حد التمرد الكامل على أوامر الوالدين.
وسنرى هنالك -كما رأينا هنا، وكما رأينا من قبل- أن الجاهلية هي التي تنشئ المشكلة ثم تروح تبحث لها -أو تتظاهر بالبحث- عن حلول! بينما هي في الإسلام أمر يجري على الفطرة بلا مشاكل ولا أخطار!