الله بالناس رءوف رحيم، وإنه لم يخلقهم ليعنتهم، ولا ليكلفهم فوق طاقتهم ولا ما يخالف فطرتهم، وإن ما وهب الله لهم من مواهب -سواء في صورة طاقات واستعدادات نفسية، أو طاقات كونية مذخورة في الكون- إنما وهبها لهم لخيرهم ولصالحهم، لا ليشقيهم بها ويشيع في نفوسهم الاضطراب والحيرة، بشرط أن يتبعوا منهج الله في كل شئون حياتهم صغيرها وكبيرها على السواء.
ومرة أخرى نقول إنه ليس معنى ذلك أن الحياة في ظل المنهج الرباني ستكون خالية من الجهد والكدح. كلا! لن تكون كذلك. لأن الإنسان خلق ليكدح في الأرض. ثم إن حياته لو خلت من الكدح والجهد فإنها تفسد وتترهل، وتصبح مصدر تعب وشقاء لا مصدر راحة ولا سعادة!
إنما معناه أن الجهد سيكون -من ناحية- في حدود الطاقة، ومن ناحية أخرى ستكون نتيجته ثمرة جنية طيبة لا ثمرة نكدة خبيثة كالتي يثمرها الجهد في الجاهلية.
وهذه القابلية الشديدة للاستهواء في هذا السن، هي واحدة من الاستعدادات البشرية الفطرية، لا خطر فيها -في ذاتها- إنما ينشأ الخطر عنها -في الجاهلية- لأنها تعرض الفتى والفتاة للانحرافات الحادة حين يكون الاستهواء متجهًا إلى النماذج السيئة من البشرية، سواء كان السوء خلقيًّا بالمعنى المتعارف عليه، أو إنسانيًّا بصفة عامة.
فالفتى يتعرض في تلك المرحلة -في الجاهلية- لأن تستهويه نماذج العصابات الشريرة: عصابات السرقة والقتل وقطع الطريق والسطو والجريمة عامة. وتستهويه كذلك نماذج السلوك الجنسي الفاسد، سواء منه الشاذ والطبيعي.
وحقيقية إنه قد لا ينخرط في سلك هذه العصابات في سنه تلك وإنما في سن أكبر "وإن كانت الجاهلية الحديثة أو المخطط الشرير لإفساد البشرية قد وصل إلى إغراء الفتيان حتى في السن المبكرة بالانخراط في الفساد" ولكنه حتى إن لم يشترك الآن في هذه العصابات ونشاطها المنحرف فإنه يتهيأ لذلك نفسيًّا -بالإعجاب- حتى إذا جاءت السن التي يجسر فيها على المخاطرة انخرط في الفساد بالفعل. وغالبًا ما يكون مصادقًا لتلك العصابات أو متفرجًا