وإذ يستجيش المشاعر الدينية -وهي مستجاشة بصورة تلقائية- ويربط بين القلب البشري وبين الله برباط الحب والتقوى. فإنه يحبب للإنسان الطاعة، وييسر عليه احتمال المشقة في سبيلها.
وإذ يستنفد جزءًا من الطاقة وجزءًا من الوقت في محاولة تحويل نزعة المثل العليا إلى واقع، وممارستها في عالم الواقع، فإنه يوجد مشغلة فعلية تشغل الإنسان عن دوافع الجنس الملحة، وتصرفه إلى مجالات أخرى بناءة.
وإذا يتكاتف البيت المسلم والشارع المسلم والمدرسة المسلمة والمجتمع المسلم على هذه الأمور كلها، كل في حدود طاقته وفي مجال اختصاصه، فإن الأمر يصبح في النهاية ميسرًا إلى أقرب درجة مستطاعة من اليسر، وتكون المشقة في حدود الطاقة وحدود الاحتمال، فتكون مشقة بناءة هادفة، متمشية مع طبيعة الفطرة، معينة على استكمال بنائها.
وبذلك كله لا يصبح الجنس "مشكلة" في المنهج الرباني. إنما يصبح فقط -ككل شأن آخر- مسألة في حاجة إلى قدر من الجهد لضبطها وتنظيمها، كما ينبغي لكل شيء في حياة الإنسان، الذي يتميز بالضبط والتنظيم الواعي عن سائر ما على الأرض من كائنات!
إنما يكون الجنس مشكلة حقيقية في الجاهلية!
فالجاهلية بسوء توجيهها وسوء تصريفها -المتعمد أو الذي تنساق إليه بحكم جهلها وانحرافها- هي التي تجعل من هذا الأمر الطبيعي في حياة البشرية مشكلة تستعصي على الحل.
إنها منذ البدء تنشئ الإنسان تنشئة خاطئة منحرفة، تجعل كل الدوافع الفطرية عرضة للانحراف. ومع أنها تبذل الجهد -بطريقة معجبة- في ضبط بعض هذه الدوافع وتهذيبها، فإنها -عمدًا أو جهالة- تترك بعضها الآخر بغير تهذيب ولا ضبط، وفي مقدمتها -في الجاهلية الغربية- شهوة الجنس وشهوة المال وشهوة السيطرة والسلطان "التي تأخذ صورة سيطرة رأس المال" وفي الجاهلية الشرقية شهوة الجنس وشهوة السلطان مع حصر هذه الأخيرة في يد "الحزب" أو "الدولة" أو "الزعيم" المقدس صاحب السلطان!