والجنس -كما هو ظاهر- عامل مشترك في الجاهليتين معًا. وإن كان يأخذ من الوجهة "التنظيمية" صورة خاصة في هذه وتلك.

تلتقي الجاهلية كلها على إهمال القيم الدينية "أو نبذها نبذًا مطلقًا كما في الشرق" وعدم العمل على ضبط الدافع الجنسي ولا تهذيبه، وعلى ملء المجتمع بكل ألوان الإثارة الفاجرة في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة والصحيفة والمجلة والإعلان والمكتب والمصنع والطريق. ثم تلتقي كلها على تيسير الفاحشة وتهيئة كل الوسائل لها، سواء أتاحت الزواج الصوري في مكاتب الزواج كما تفعل الجاهلية الشرقية، أم تركته "رباطًا مقدسًا" ووضعت في سبيله العراقيل كما تفعل الجاهلية الغربية. والنتيجة النهائية أن تغرق البشرية في الفاحشة وفي سعار الجنس المحموم، وأن تصبح علاقة الجنسين علاقة حيوانية هابطة، تضم جسدين هائجين ولا تعرف إشراقة الروح.

ونحن، في جاهليتنا المعاصرة، بحكم ظروفنا التاريخية في القرنين الأخيرين، والقرن الأخير خاصة، نتبع في موقفنا تجاه المسألة الجنسية جاهلية الغرب في الأغلب، نقول ما تقول، ونفعل ما تفعل، ونحتج بما تحتج به، وإن كان فينا من يتبع جاهلية الشرق ويدعو إليها.

يقول الكاتب الأمريكي "ول ديوارانت" في كتابه "مباهج الفلسفة":

"فحياة المدينة تفضي إلى كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي تقدم فيه إلى الناس كل باعث على الصلة الجنسية وكل سبيل يسهل أداءها. ولكن النمو الجنسي يتم مبكرًا عما كان من قبل، كما يتأخر النمو الاقتصادي. فإذا كان قمع الرغبة شيئًا عمليًّا ومعقولًا في ظل النظام الاقتصادي الزراعي، فإنه الآن يبدو أمرًا عسيرًا وغير طبيعي في حضارة صناعية أجلت الزواج حتى بالنسبة للرجال حتى لقد يصل إلى سن الثلاثين. ولا مفر من أن يأخذ الجسم في الثورة، وأن تضعف القوة على ضبط النفس عما كان في الزمن القديم؛ وتصبح العفة التي كانت فضيلة موضعًا للسخرية؛ ويختفي الحياء الذي كان يضفي على الجمال جمالًا، ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم، وتطالب النساء بحقها في مغامرات غير محدودة على قدم المساواة من الرجال، ويصبح الاتصال قبل الزواج أمرًا مألوفًا، وتختفي البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015