نطاق فطرتها السوية، في تدبير شئون البيت ورعاية من يكون فيه من الصغار، ومساعدة الأم في تبعاتها ومشاغلها وجهدها.

ثم إن النظام الإسلامي -بعد هذا التهذيب كله, وهذا الضبط كله, وهذا التحويل للطاقة إلى أبواب الخير النافعة وإلى بناء الكيان النفسي على صورة سليمة- لا يهدف أبدًا إلى جعل ذلك كله بديلًا من الاستجابة الفطرية لدافع الجنس! كلا! إنما ذلك كله تمهيد للاستجابة الفعلية ولكن بعد الضبط والتنظيف والتصعيد، حتى يأخذ ذلك الدافع مساحته الطبيعية بلا زيادة، ولا يصبح -الآن ولا بعد الآن- مشغلة للحس والنفس. فإنما خلقه الله في الفطرة ليؤدي مهمته ولكن لا ليعطل الدوافع الأخرى أو يشغلها عن وجهتها.

لذلك يدعو الإسلام -بعد هذا الجهد كله- إلى التعجيل بالزواج والتبكير فيه. ويرتب شئونه كلها -الاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والروحية، والتربوية -لتهيئة هذا الأمر في أيسر صورة، ولا يقيم حاجزًا واحدًا أمام تنفيذه، ولا يجعل شيئًا من الأشياء يحول دونه، إلا في الظروف القهرية التي تستعصي على الحل، وهنا يستخدم مزيدًا من الضبط:

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 1.

"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 2.

ومع ذلك يجعل الدولة مكلفة -من بيت المال- بإعانة من تحول ظروفه المالية دون إتمام ذلك الأمر الذي لا ينبغي أن يحول دونه شيء. كما يجعل عدم المغالاة في المهور جزءًا من توجيهاته للمسلمين، ويجعل زخرف الحياة وزينتها أمرًا خفيف الوزن في نفوسهم، فلا تقوم ضخامة المهر أو ضخامة تكاليف التأثيث عقبة في سبيل إتمام الزواج.

وبذلك كله تتيسر المهمة، بعد أن تكون النفوس قد أخذت حظها من التهذيب والضبط والارتفاع. فما إن يبلغ الفتى مرحلة الشباب، وما إن تستكمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015