السليمة إن كان قد سار في طريقه السليم من قبل، فيعمق كل القيم والمبادئ السابقة ويزيدها رسوخًا.
إن هذه العاطفة الدينية تأتي في موعدها المناسب، مع بدء التكليف الرباني، لتصل القلب بالله، وتربطه به برباطي الحب والتقوى، فلا ينقطع هذا الرباط بعد ذلك أبدًا حين تجد الأحداث ويضرب الإنسان في خضم الحياة يلتقي بأزمات تلو أزمات. والمربي المسلم بطبيعة الحال ينمي هذه المشاعر الدينية ويوثقها، بمراقبة قيام الفتى "والفتاة" بشعائر العبادة، وبالتشجيع على تأدية بعض النوافل. وبقراءة القرآن والتعرف على بعض معانيه ومراميه، والحياة في ظله فترات متقاربة أو منظمة دائمة، واستجاشة المعاني الدينية في الإحسان إلى الفقراء ومساعدة الضعفاء وكفالة المحتاجين، والتزاور والالتقاء على حلقة دراسة دينية بين الحين والحين، والحديث المستفيض عن الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة الأولى: كيف كانت حياتهم ترجمة صادقة لمبادئ الإسلام وقيمه. وذكر نماذج حية من البطولات الإسلامية في كل مجال. فهذه بالذات هي فترة الإعجاب الشديد بالبطولة، والرغبة في الاقتداء بها.
وعلى هذا المنهج ينمي المربي المشاعر الدينية ويتلافى كذلك تحولها إلى مشاعر صوفية، قد تكون شفيفة ولكنها سلبية، تأخذ بعض معاني الإسلام ولكنها تهمل أهم ما فيه: الإيجابية الواقعية الفاعلة في واقع الأرض.
وأما النزعة المتسامية إلى المثل العليا فعلى المربي أن يستغلها كذلك بتمامها. لقد كانت الفترة السابقة مباشرة -قبل البلوغ- فترة تكون بعض المثل العليا على المستوى الاجتماعي، ولكن في نطاق "المجموعة" التي ينتمي إليها الطفل، أو في نطاق صداقاته الخاصة. أما الآن فإن المثل العليا تتكون على المستوى "الإنساني" كله، وشاملة لجميع القيم بلا استثناء. إنها حلم "بعالم المثل" الذي تتحقق فيه كل المثاليات.
وكما كان للمشاعر الدينية آفاقها العالية واحتمالات انحرافها، فكذلك لأحلام المثل هذه آفاقها واحتمالات انحرافها. ومهمة المربي دائمًا أن يأخذ الآفاق العالية ويتلافى الانحراف.
فهنا ينبغي تشجيع هذه المثل التي تأتي طواعية من داخل النفس بلا جهد