وإن في ذلك لعبرة للجاهلية التي تهمل شحنة الروح وتحاول جهدها أن تكبتها، لتطلق العنان لشحنة الجسد وحدها، فتنطلق في سعار محموم لا يعرفه حتى الحيوان، الذي تلهمه غريزته متى يبدأ ومتى يكف، بينما يبدأ الإنسان في الجاهلية ثم لا يكف أبدًا. كالمجنون.

وإن فيه لعبرة أخرى للجاهلية. فحين تنطلق في الفطرة السوية شحنة الجنس، لتؤدي دورها المطلوب في الحياة، تنطلق معها شحنة الروح "لتضبطها" وتسيطر عليها، لكي لا تنطلق كالحيوان!

ثم إن فيه لعبرة ثالثة للجاهلية، إن شحنة الجنس ليست جسدًا ينزو كالحيوان، إنها تنطلق من كيان النفس بأجمعه بما في ذلك الروح. أو قل إن شئت إن الفطرة السوية لا تسمح أن يتصرف الإنسان بجسده وحده، إنما هي -بحكم التكوين السوي ذاته- تفرض عليه أن يتصرف بكل كيانه في وقت واحد. فينصرف بعقله وجسمه وروحه جميعها في آن.

هذه الشحنة الروحية التي تتفجر في مرحلة البلوغ تأخذ صورة مشاعر دينية صافية رائقة شفافة، تجنح ببعض الشباب أحيانًا إلى الصوفية، ما لم يتداركها المربي بالتوجيه الصحيح. كما تأخذ صورة مثل عليا شاملة، وأحلام "بعالم المثل" تجنح ببعض الشباب أحيانًا إلى أحلام اليقظة ما لم يتداركها المربي بالتوجيه الصحيح. كما تأخذ صورة حنين مبهم إلى الجنس الآخر، تجنح ببعض الشباب إلى المشغلة العاطفية ما لم يتداركها المربي بالتوجيه الصحيح.

وإذا تخيلنا -لمجرد التقريب- أن الإنسان روح وعقل وجسم، وأن شحنة الروح المنطلقة قد امتدت واتسعت حتى ضمت هذا الكيان كله وشملته، فإنها من حيث انطلقت مع خطها الأصيل تأخذ صورة المشاعر الدينية، ومن حيث لامست العقل تأخذ صورة "عالم المثل" ومن حيث لامست الجسد بشحنته الفائرة تأخذ صورة هذا الحنين المبهم إلى الجنس الآخر، وأحلام اللقاء. وبذلك تشمل الكيان البشري كله بإشعاعاتها الصافية.

وهنا الفرصة الذهنية للمربي الحكيم أن ينتهز فرصة انطلاق هذه الشحنة الروحية الهائلة ليعيد تشكيل النفس التي بين يديه على وضعها الصحيح, إن كان ذلك قد فاته في الطفولة لسبب من الأسباب، أو يثبت هذا الكيان في صورته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015