وفي فطرة الجنسين في تلك الفترة، أو منذ تلك الفترة إلى آخر العمر، أن يسعى كل جنس إلى الحصول على إعجاب الجنس الآخر. والله هو الذي خلق هذا الدافع على هذه الصورة لحكمة يريدها: يريد أن يبذل كل جنس جهده في رفع طاقته إلى أقصى مدى ارتفاعها قبل أن يحدث التزاوج، حتى إذا حدث كان الزوجان في قمة نشاطهما وحيويتهما وتهيئهما لهذا الحدث الضخم.

والجاهلية تحول هذا الدافع -بالنسبة للفتاة خاصة- إلى عملية استعراض جسدي على المستوى الأدنى، والإسلام يحوله إلى مستواه الأرفع.

ذلك أن الجاهلية تريد الجسد وحده، والإسلام يريد "الإنسان" بكيانه كله. الإنسان {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .

فحيث تدفع الجاهلية الفتاة إلى تعرية جسدها، والتفنن كما تقول صحف الجاهلية في إبراز مفاتنها، لتنال إعجاب الشباب، بعد أن تكون تلك الجاهلية قد ربت هذا الشباب بالفعل على صورته الحيوانية: صورة الإعجاب بالجسد العاري ومفاتنه المبذولة, وتلقي الحياة كلها من طاقة الجنس وحده، فإن الإسلام يجعل وسيلة الفتاة إلى الحصول على إعجاب الشباب هي المحافظة الشديدة على أخلاقها، وعدم التفريط فيها بأية صورة من الصور، كما يجعل وسيلتها حسن إدارة البيت وحسن التهيؤ للأمومة، التي هي أعظم وظائفها وأخطرها، بعد أن يكون قد ربي الشباب بالفعل على الإعجاب بالقيم الخلقية و"الإنسانية" في المرأة، ونفره من فتنة اللحم العاري المبذول.

والأمر كذلك من الجانب الآخر، جانب الشاب. فحيث تربيه الجاهلية الحديثة على التميع والتطري والتقصع والتفاهة والسطحية، وتربي الفتاة على الإعجاب به في هذه الصورة الزرية المتدنية، يربيه الإسلام على الرجولة الحقة. على الجد والشهامة والكرامة. والقوة والفروسية والصلابة. والقدرة النفسية والبدنية على تحمل المسئوليات والنهوض بها. ويربي الفتاة -على فطرتها الأصيلة- على الإعجاب به في هذه الصورة المستعلية.

وبذلك يستخدم المنهج الرباني خيوط الفطرة في رفع الإنسان إلى أعلى درجاته، في الوقت الذي تستخدم الجاهلية ذات الخيوط لتهوي بالإنسان إلى الدرك الأسفل من الحيوانية!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015