وبعد ذلك- هو الذي يجعل تلك القيم المفرزة تلقائيًّا تجد تربة صالحة فتستمر في نموها وتترعرع، أو لا تجد تلك التربة فتذبل وتموت ولا تعود إلى الظهور، أو تتخذ صورة منتكسة بفعل الجاهلية.

إنها على أي حال إفراز بشري طبيعي في الغالبية العظمى من الناس في تلك المرحلة "فهناك قلة شاذة لا تتقبل هذه القيم وترفض العمل بها، فتكون سبب مشكلات دائمة في مجموعات الصبيان والبنات"ويكون هذا مصداق الحديث النبوي الشريف: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة".

وفي فطرة البشر -على الرغم من مزاعم التفسير المادي للتاريخ- قيم ومثل لا علاقة لها البتة بالأحوال الاقتصادية ولا أطوارها " الحتمية! " لأنها تنشأ في نفوس كل الأطفال في جميع الأحوال الاقتصادية "فيما عدا القلة الشاذة التي لا تنفي القاعدة بل تقررها".

ومهمة المربي هنا أن يلتقط الخيط وينتهز هذه الفرصة السانحة لتثبيت تلك القيم وتقويمها إذا انحرفت.

إنها فرصة ربانية "وستجيء وشيكًا فرصة أخرى نتحدث عنها في مكانها" يمكن أن يعاد فيها تشكيل النفس كلها إذا كانت في حاجة إلى إعادة التشكيل فإذا كانت فرصة الطفولة قد أفلتت -لأي سبب من الأسباب- فستتهيأ في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها فرصتان هائلتان لإعادة التشكيل: إحداهما هذه السابقة للبلوغ، والأخرى التي تحدث في مرحلة البلوغ.

إن التغير الطبيعي الذي ينشأ في داخل النفس، يعطي الفرصة للمربي أن يتدخل في عملية التغيير ليوجهها الوجهة التي يرغبها. خاصة وأن هذه الفترة -بطبيعتها كما قلنا- هي فترة التكون التلقائي للقيم والمثل على المستوى الاجتماعي، بعد أن كانت في الفترة السابقة تكون -بالقدوة والتلقين والعادة- على المستوى الفردي. فإذا كانت الفترة الأولى -لسبب ما- لم تثمر ثمرتها المرجوة، فهنا مجال لمحاولة جديدة قد تعطي تلك الثمرة بعد الجهد المطلوب.

يستطيع المربي أولًا -ونحن نتكلم هنا عن المجتمع الإسلامي الحقيقي- أن ينتقي لطفله أصلح النماذج، سواء للمصاحبة العامة في المجموعة أو للصداقة الخاصة التي تكون طابع هذه الفترة. ويكون ذلك بالتلطف لا بالفرض الصريح. فالصداقة لا يمكن أن تفرض على النفس فرضًا. إنما يمكن أن تهيأ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015