يعيشان خيالهما كأنه واقع، بعد أن كانا في المرحلة السابقة يعيشانه واقعًا بالفعل. فهنا ما زال في الطفل قدر من الحيوية الفياضة يضفي الحياة على الكائنات، ولكن فيه من الوعي ما يعلم به أنها جمادات لا تنطق ولا تتحرك. ثم هو يحب عملية الإحياء هذه ويستريح إليها ويستكثر منها، فيعيش في نصف وعي، حالمًا طول يومه مع الكائنات التي يحييها بخياله ثم يعايشها كأنها حية.
ثم تأتي مرحلة -تدريبية ولا شك- ولكنها شبه مفاجئة لسرعة الانتقال فيها. يلقي الفتى فيها عصاه ولعبه التي يحييها بخياله، ويصبح واقعيًّا جدًّا. يريد أن يعرف كل شيء على حقيقته، ويعيشه في عالم الحقيقة الحسية الملموسة.
لم يعد الآن يتخيل العصا حصانًا. كلا! إنها عصا على الحقيقة الكاملة. والحصان حصان, لا التباس بينهما ولا مجال للالتباس. إنه يريد أن يركب الحصان الحقيقي إن أمكن، أو على الأقل يعرف كل شيء عنه! والعربة اللعبة التي كان يتخيلها كبيرة وضخمة وذات سائق يسوقها وذات حظيرة تبيت فيها صارت لعبة ضئيلة لا تغني نهمه ولا تشبع حاجته. إنه اليوم يريد السيارة الحقيقية ويريد أن يعرف -على الحقيقة- كيف تسير، وكيف تدور عجلاتها، وكيف تفرمل، وكيف تنعطف يمنة ويسرة، وكيف تصلح حين تعطب، وأين يذهب الوقود الذي يوضع فيها, وماذا يحدث لها حين ينفد الوقود.
والبنت تلقي عرائسها العزيزة عليها. أو إن لم تلقها تمامًا فهي لا تتعامل معها على أنها كائن حي ولا على أنها مزيج من الخيال والحقيقة. ولكن على أنها لعبة فحسب. إنها الآن تريد أشياء أخرى. تريد أن تتعرف على العالم كله، ولكنه بصفة خاصة على "عالم المرأة" وما يحويه من أسرار!
إنها الفترة التي يأخذ الطفل يتعرف فيها على الكون من حوله. فترة "جمع المعلومات" والتزود منها بأكبر قدر مستطاع.
لم يعد الطفل الآن يصدق قصص الجن والعفاريت والحيوانات التي تتكلم. فقد عرفها وخبرها وجمع عنها من المعلومات ما فيه الكفاية. إنما صار نهمه الآن في القراءة أو الاستمتاع متجهًا إلى التعرف على الأشياء التي لا يعرفها، أو زيادة المعرفة بما عرفه من قبل. ثم إنه ليشعر بالامتياز على أقرانه بقدر ما يعلم من معلومات، ويكون من أسعد لحظاته أن يسمع زميلًا له يتحدث عن شيء فيخطئ في بيان بعض خصائصه فيصححها له! أو زميلًا يتساءل عن أمر