وسنجد حين نستعرض النماذج البشرية أن معظمها يقع في الدائرة التي تلزمها المثوبة والعقوبة تارة بعد تارة، وأن معظمها ممن يحتاج إلى المثوبة والعقوبة على المستوى الحسي والمعنوي كليهما على تداول بينهما أو على امتزاج. وأن قلة من البشر فقط هم الذين يحتاجون إلى جرعة من المثوبة أكبر وجرعة من العقوبة أقل. وأن قلة مماثلة "أو أكبر قليلًا" تحتاج إلى جرعة من العقوبة أكبر من جرعة المثوبة. ولا أظن أن هناك بشرًا في الدائرة السوية تلزمه العقوبة الدائمة بلا ثواب!
فإذا تقررت في حسنا هذه المبادئ بوضوح، ولم نعد نعير التفاتًا إلى صيحات الجاهلية الحديثة التي تريد أن تحرم العقاب لكي لا "تتعقد" نفس الطفل ولا يصيبه الكبت! فتصيبه من الناحية الأخرى بالميوعة والرقاعة والتفاهة والتحلل..
إذا تقرر في حسنا ذلك، فلننظر لماذا نحتاج إلى المثوبة والعقوبة في تربية الطفل، وعلى أي منهج تكون.
هناك أعمال نريد من الطفل أن يعملها لأنها ضرورية له، أو لأنها تساعده في عملية النمو الجثماني أو النفسي أو العقلي. وهناك أعمال أخرى نريد أن تمنع الطفل من عملها لأنها خطرة عليه، أو لأنها تعوده عادة سيئة، أو لأنها انحراف عن السلوك السوي، أو لأنها تعطل نموه الجثماني أو النفسي أو العقلي.
وفي كلا الحالين نحتاج إلى حوافز ومشجعات. أو إلى نواه وزواجر.. ومن هنا تأتي الحاجة إلى المثوبة أو العقوبة. ذلك أن الطفل -وخاصة في الفترة الأولى- قد لا يستجيب من تلقاء نفسه لما نريد منه أن يعمله أو يكف عنه؛ لأنه لا يعرف لماذا؟ لماذا يعمل ولماذا يكف.
هناك أعمال ذاتية، يقوم بها من تلقاء نفسه ولا يحتاج من أحد أن يدله عليها، كالرضاعة، أو طلب الطعام، أو إخراج الإفرازات، أو تحريك يديه ورجليه، أو الحركة بجسمه حين يبدأ يحبو، أو محاولة الوقوف، أو محاولة إخراج أصوات ذات دلالة كمقدمة للكلام. إلخ. ولكها حركات سائرة في الاتجاه الطبيعي، وفي طريق النمو, ولكن بعضها يجهد الطفل كالمشي والكلام فيحتاج إلى تشجيع لكي يستمر فيها ولا يتوقف.
وهناك أعمال ذاتية كذلك، وطبيعية، ولكن الاستمرار فيها بعد وقتها المفروض يعتبر علامة سيئة، كمص
الإبهام، وعدم ضبط الإفرازات،