أجيال مائعة لا تصلح لجديات الحياة ومهامها. والتجربة أولى بالاتباع من النظريات مهما كانت لامعة ومغرية. والعطف الحقيقي على الطفولة هو الذي يرعى صالحها في مستقبلها لا الذي يدمر كيانها ويفسد مستقبلها.

وتقول كذلك إن العقوبة الحسية ليست أمرًا مستنكرًا في ذاته ولا محرمًا، ولا ضارًّا بكيان الطفل كما تزعم المذاهب المربية التي تروج في جاهلية القرن العشرين؛ وإن كنا نقرر، بما يحتاج إليه الأمر من التوكيد، أن العقوبة كلها بشقيها ليست أول ما يلجأ إليه المربي، إنما ينبغي أن يبدأ بالمثوبة إلى أن يحتاج إلى العقوبة، وأن العقوبة الحسية ليست أول ما يلجأ إليه المربي من أنواع العقوبة، بل ينبغي أن يبدأ بالعقوبة المعنوية إلى أن يحتاج إلى العقوبة الحسية.

وبذلك نضع الأمر في نصابه من شقيه، ونعطي -على هدي المنهج الرباني- كل ذي حق حقه، آخذين في اعتبارنا الفوارق الفردية بين طفل وطفل، والتي تقرر مقدار الجرعة اللازمة من المثوبة ومن العقوبة، ومن الحسية ومن المعنوية جميعًا.

فهناك طفل لا تحتاج أن تعاقبه مرة في حياتك.. فلم تعاقبه؟!

وطفل يرى في إعراضك عنه لحظة عقوبة قاسية لا يحتملها وجدانه. فلم تتجاوز معه مجرد الإعراض؟ أو تطيل عليه الإعراض؟

وطفل يبكي ألمًا إذا عبست في وجهه. فلم تتجاوز معه هذه الوسيلة الناجعة؟

ثم هناك طفل لا يرعوي أبدًا حتى يذوق العقوبة الحسية الموجعة.

وأكثر من مرة. أتكتفي معه بالإعراض عنه لحظة، أو "تحتال عليه" بالإغراء لكي يكف عما هو فيه من أخطاء؟! إنك تفسده بذلك تمامًا كما تفسد الطفل الآخر بتوقيع العقوبة الحسية عليه!

فوضع قاعدة مسبقة بتحريم العقوبة الحسية أو تحريم العقوبة إطلاقًا، مفسد في التربية كوضع قاعدة مسبقة بضرورة استخدامها في كل حالة ولو لم تدع الضرورة إليها. والمربي الحكيم يدرس حالة الطفل الذي بين يديه، ويقدر -من دراسته لظروفه الخاصة ووراثاته- إن كان ممن تصلح له المثوبة أو العقوبة، أو المداولة بين هذه وتلك. وإن كان ممن تصلح له المثوبة والعقوبة على المستوى الحسي أو المعنوي، أو المداولة بين هذه وتلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015