أخرجت للناس"- والتي تربت على هذا المنهج الرباني، بما فيه من توقيعات كثيرة ومختلفة على خطي الخوف والرجاء، يدرك عظم الثمرة التي تؤتيها هذه التوقيعات في كيان الإنسان. وأنه لا بد من استخدامهما في أي منهج تربوي يراد به صلاح النفوس وصلاح الحياة.
وحين نعود إلى الطفل فسنرى أننا في حاجة إلى استخدام هذين الخطين، والتوقيع عليهما توقيعات شتى من أجل إتمام تربيته، إلى جانب ما ذكرنا من الوسائل التربوية من قبل: الحب. والحسم. والقدوة. والتلقين. وأنه إذا كان الإنسان الناضج -كما يتبين من الكتاب والسنة- لا يستغني في تربيته عن هذه التوقيعات المتكررة، فالطفل من باب أولى أشد حاجة إليها.
وكما أن الإنسان الناضج قد تلقى -في المنهج الرباني- توقيعات تختلف من الحسي إلى المعنوي، أو تمزج بينهما، فالطفل كذلك يحتاج إلى توقيعات حسية تارة ومعنوية تارة، أو مزيجًا منهما معًا تارة أخرى، مراعاة لكون التكوين البشري يشتمل على خطين متقابلين، أحدهما يتصل بالحسي والآخر يتعلق بالمعنويات1. ومن هنا تكون التربية بالمثوبة والتربية بالعقوبة وسيلتين أساسيتين من وسائل التربية للإنسان -كل إنسان- والطفل أولى بطبيعة الحال.
وهنا كذلك وقفة عند التربية بالعقوبة، سببها تلك "النظريات" التربوية الحديثة، التي تريد أن تعتمد على التربية بالمثوبة وحدها دون التربية بالعقوبة، أو -إذا لزم الأمر في الحالات القصوى- على العقوبة المعنوية دون الحسية.
وما بنا من حاجة إلى إعادة الحديث عن ميوعة الأجيال التي نشأت على هذه "النظريات" ورخاوتها وتحللها وتفككها.
ولسنا نقول كذلك إن العقوبة ينبغي أن تستعمل بغير حساب وبغير ضرورة. ولا إنها ينبغي أن تكون حسية في كل حالة!
كلا! إنما نتحدث فقط عن المبادئ العامة. فنقول: إن التربية بالعقوبة أمر طبيعي بالنسبة للبشر عامة والطفل خاصة. فلا ينبغي أن نستنكر من باب التظاهر بالعطف على الطفل ولا من باب التظاهر بالعلم! فالتجربة العملية ذاتها تقول: إن الأجيال التي نشأت في ظل تحريم العقوبة ونبذ استخدامها