لا تجدي الوسائل كلها ويحتاج الأمر إلى العقوبة. وقد يحتاج إلى عقوبة حاسمة كذلك. ولكن هذا الأمر له مخاطره كما سيجيء في الحديث عن التربية بالعقوبة. فليكن اللجوء إليها اضطرارًا وليس مبادرة. وليتوق الوالدان مخاطرها كذلك.
ثم قد يكون من دوافع الانحراف عند الطفل -رغم وجود القدوة الصالحة أمامه- وراثاته السيئة التي تجعله -مثلًا- محبًّا للسيطرة أو العدوان، فيعتدي على أقرانه في اللعب أو غير اللعب ويجيء هؤلاء أو أهلوهم يشتكونه إلى والديه. أو تجعله بخيلًا وأبواه كريمان. أو جبانًا وأبوه شجاع. أو ملتويًا وأبواه مستقيما الطبع. أو محبًّا للشر وأبواه خيران.
تلك كلها حالات تحتاج إلى التلقين والتوجيه، وإلى جهد خاص في معالجتها حتى تستقيم. وقد يطول الجهد كما أسلفنا، ويطول التلقين والتوجيه، وتبطئ الثمرة، ولا تكون في النهاية كاملة. ومع ذلك فالنتيجة النهائية تستحق ما يبذل فيها من الجهد، لأنها خير من تركها تستفحل وتؤدي إلى الجنوح والجريمة.
وهكذا نرى في جميع الحالات، سوية ومنحرفة، أنه لا غنى عن التلقين مع وجود القدوة الصالحة.
والتلقين ذاته في حاجة إلى منهج. فليس أي كلام يصلح تلقينًا. وليست كل طريقة صالحة للتلقين.
وما دمنا نتحدث عن منهج التربية الإسلامية فمن البديهي أن يكون منهج التوجيه والتلقين هو المنهج الرباني. أي: إن أوامرنا ونواهينا وتوجيهاتنا لأطفالنا ينبغي أن تكون مستمدة من الله ورسوله أو -في حالة غياب النص- لا تكون مصطدمة بأوامر الله ونواهيه وتوجيهاته. فلا نأخذ توجيهاتنا لأطفالنا من الجاهلية المحيطة بنا في كل الأرض في القيم أو التصورات أو الأخلاق أو التقاليد أو أنماط السلوك.
وليس مؤدى ذلك أن نغلق قلوبنا وأفكارنا عن تجارب البشرية المفيدة. كلا! ليس ذلك من أوامر الإسلام, فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن مؤداه أن نحذر أن تفتننا الجاهلية ولو عن بعض ما أنزل الله إلينا: