تفترق عن قدرتهم. ومن هنا لا تكفي القدوة أو لا تؤثر في بعض المواضع ويلزم التلقين.
قد يكون الأب والأم بعيدين عن الكذب، كما ينبغي للأب المسلم والأم المسلمة، وقد يكونان في حياتهما لم يكذبا كذبة أمام الطفل. ولكن ليس مقتضى ذلك حتمًا ألا يقع الطفل في الكذب. إنما مقتضاه فقط أنه يسهل رده عنه إلى أن يتعود الصدق ويستقيم عليه.
فالطفل له دوافعه الذاتية للكذب، التي لا يستمدها من قدوة سيئة أمامه، وكذلك لا ترده عنها القدوة الصالحة تلقائيًّا بغير تلقين وتوجيه، وجهد يبذل في التلقين والتوجيه.
فهو يكذب أحيانًا -دون أن يقصد الكذب- بدافع من قوة خياله، الذي يجسم له أشياء لم تحدث، فيراه كأنما حدثت بالفعل، ويقصها على أنها واقع.
وعند ذلك لا ينبغي أن يجابهه الوالدان بأنه كذاب. بل تكون نصيحتهما له أن يتذكر جيدًا، وأن يدقق في التذكر، لعل الأمر ليس كما يقول، ولعله كذا وكذا. حتى يرداه إلى حقيقة الواقعة.
وهو يكذب أحيانًا بقوة خياله كذلك ولكن على وجه آخر. فهو يتمنى، ثم يصدق ما يتمنى ويتخيل أنه حدث بالفعل، فيشبع رغبته بتحقيقها في الخيال. ثم يصدق الخيال.
وهذا كالسابقة لا يجوز مجابهته فيها بأنه يكذب، إنما يكون التذكير حتى يعود إلى الواقع.
ويكذب أحيانًا -بالتمني- ولكن على وعي بالكذب، تحقيقًا لأمان ورغبات لا تتحقق في واقع حياته "فيفشر" ويزعم أنه يمتلك كذا، أو يصنع كذا، مما يحقق له بطولة وهمية، أو تعظيمًا لشخصه على غير الواقع. وغالبًا ما يكون هذا "الفشر" مع أقران الطفل، الذين يشعر في دخيلة نفسه أنه أقل منهم.
وهذه حالة مرضية تحتاج إلى علاج. وليس علاجها مواجهة الطفل بأنه كذاب و"فشار". أو على الأقل إن كان أقرانه يواجهونه بذلك فلا ينبغي للأبوين أن يسيرا في نفس الطريق، إنما عليهما دراسة الأسباب الدفينة التي تجعله يضخم الواقع بالوهم. وأن يعالجاه بإعادة الثقة إليه في نفسه على حجمها