وتطبيقه على الطفل مقتضاه التلقين والتوجيه والأمر فيما لم يأخذه الطفل -تلقائيًّا- عن طريق القدوة، وهو بالنسبة إليه كثير. ولا بأس بشرح حكمة الأمر للطفل حتى يقتنع به وهو ينفذه. فذلك أيسر للتنفيذ القلبي وأرجى للثمرة. ولكن لا بد من الإلزام حين تعجز مدارك الطفل عن تبين الحكمة، أو تلتوي به طباعه عن تقبلها. ولا يجوز بحال أن نعلق تنفيذ الأمر على اقتناع الطفل به، خاصة بعد أن رأينا ثمار ذلك المنهج الجاهلي في شباب الهيبيز، والمنحلين من كل نوع من أرجاء الأرض.

وليس معنى هذا هو التحكم الفارغ من الأبوين لمجرد الإلزام بالطاعة وتعويد الطفل عليها. فذلك حري أن ينتهي بالطفل إلى التمرد إن كان شديد المراس، أو الاستكانة والانطواء والاستخذاء إن كان لين القوام النفسي, وكلاهما فساد.

إنما معناه أن يتحرى الوالدان القصد في الأوامر، ولا يأمرا إلا بما له فائدة حقيقية في التربية، ولو لم يدركه الطفل في حينه ولم يقتنع به. مع ترك المجال دائمًا لقدر من الاختيار في تصرفات الطفل، لكي لا ينشأ سلبيًّا من ناحية، ولكي يتعود من طفولته أن يتحمل تبعة عمله. فيختار، ويتحمل تبعة ما يختار.

والوالدان المسلمان يستمدان أوامرهما ونواهيهما وتوجيهاتهما بصفة عامة من كتاب الله وسنة رسوله. ولكن لا بد أن تواجههما حالات لا يجدان فيها النص المنطبق على الحالة، فيجتهدان؛ ولكن عليهما كما قلنا أن يتحريا القصد ولا يفرضا الالتزام الكامل إلا في جديات الأمور، أو في الأمور التي يقدران أن الطفل لا يحسن التصرف فيها لو ترك الأمر فيها إليه وحده, ومع ذلك فإنه يحسن في الحالة الأخيرة أن تشرح للطفل الاحتمالات المختلفة التي يمكن أن تواجهه، ويترك له حق الاختيار والاختبار، فذلك أدعى إلى تنمية شخصيته وتأهيلها للتصرف في الواقف، وتحمل تبعة التصرف. وذلك من منهج الإسلام.

ذلك وجه من أوجه التلقين الضرورية بالنسبة للطفل. وهناك أوجه أخرى. فدوافع الطفل كما قلنا تفترق عن دوافع الكبار، وقدرته على الضبط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015