وقدرتهم على الضبط عن قدرة الكبار، فيعجزهم ذلك عن أخذ القدوة في بعض الأمور فيلزمهم التلقين.
وذلك كله فضلًا على الوراثات المختلفة التي قد تجعل الطفل عجينة مختلفة التركيب عن عجينة أبويه. فلا يحدث الالتقاء التلقائي بينهما وبينه. ولا يلتقط القدوة تلقائيًّا، فيحتاج إلى التلقين.
كثيرًا ما يسأل الطفل أمه أو أباه: لماذا تصنعون كذا؟ يريد أن يعلم حكمة تصرف معين لأنه لم يستطع إدراكها، ولا يريد أن يأخذ ذلك التصرف بالقدوة دون أن يعرف سببه أو حكمته. عندئذ لا بد من تلقينه السبب حتى يطيع الأمر عن علم أو عن اقتناع.
وهنا وقفة عند "الاقتناع".. سببها ما أشاعته التربية الأمريكية خاصة، والتربية المستندة إلى نظريات التحليل النفسي عامة، من أنه لا يجوز فرض الأوامر فرضًا على الطفل دون اقتناع منه بأدائها، لأن ذلك يولد في نفسه كبتًا ويفسد شخصيته!
ألا إنها فتنة متلفة. تسببت في كثير من التميع والانحلال والتفكك الذي أصاب هذا الجيل من الشباب في كل العالم "المتحضر" الذي غزته جاهلية القرن العشرين وأتلفت مقومات نفسه ومقومات حياته.
أما "العلم" فلا بأس أن يعلم الطفل حكمة أي تصرف أو سببه. أما تعليق تنفيذه للأمر على اقتناعه هو الشخصي بصواب ذلك الأمر فمفسدة للطفل أي مفسدة! فصلًا على مجافاته لأبسط مقتضيات المنطق السليم.
وإلا فما العمل حين تكون خبرة الأرض كلها قد استقرت على أمر معين ولكن الطفل غير مقتنع به؛ لأن خبرته المحدودة تعجزه عن إدراك الحكمة فيه؟! نترك الأمر الضروري اللازم، الذي نعلم نحن -بوعينا وخبرتنا- أنه ضروري ولازم، وأن عدم الإتيان به ضرر محقق. نتركه، ويحدث الضرر، لأن الطفل لم يقتنع به بعد، وقد لا يقتنع به أبدًا؟!!
ونزعم أن ذلك تربية. ونقول إنها تربية "حديثة"؟!
ومن أين نشأ شباب "الهيبيز" إلا من هذه التربية الحديثة؟!
ومن أين نشأت انحرافات الشباب في الدول المتحضرة -على طريق الجاهلية الحديثة- إلا من أنهم "لم يقتنعوا" بالقيم والمثل والأخلاق والمبادئ،