لا شك أنه نجاح يذكر. وأنها -في النهاية- ثمرة تستحق كل ما بذل فيها من جهد، من أجل الأبوين ذاتهما فإنه أروح لقلبيهما دون شك أن يريا أبناءهما أقرب إلى السواء من أن يكونوا أقرب إلى الانحراف، ثم من أجل المجتمع كله في النهاية، فإنه خير للمجتمع أن يكف أفراده -ولو بالجهد- عن الاتجاه إلى الجريمة، من أن يجند جهده لمكافحة الجريمة وقد يفلح وقد يخيب.

وفي كل حالة من الحالات الثلاث رأينا أن القدوة الصالحة عنصر رئيسي ذو أهمية بالغة في عملية التربية. ولكنه ليس وحده.

إنه لا بد -دائمًا- من عنصر آخر إلى جانب القدوة، لا غنى عنه مهما كان من صلاح القدوة وعظم استقامتها على الطريق.

لا بد من التلقين.

ولو كانت القدوة تكفي وحدها لإتمام عملية التربية والوفاء بكل المطلوب فيها لكانت القدوة العظمى للبشرية كلها، ممثلة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، كافية وحدها لإقامة منهج التربية الإسلامية. ولكن هذه القدوة على ضخامتها التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله حتى على مستوى الأنبياء والرسل، كانت تلجأ إلى التلقين والتوجيه، فضلًا على الكتاب المنزل، وهو كله من أوله إلى آخره تلقين وتوجيه.

ذلك أن أمورًا بأعيانها لا بد من التلقين والتوجيه فيها. بالإضافة إلى أن البشر جميعًا مهما علت مراتبهم واستقامت فطرتهم لا يمكن أن بنيانهم النفسي كله بالتلقي التلقائي عن طريق القدوة، ولا بد أن يحتاجوا إلى التلقين والتوجيه بين الحين والحين.

وعلى الرغم من أن التلقين يأتي تاليًا للقدوة في الترتيب والأهمية, وأنه يعتمد اعتمادًا كاملًا عليها، حتى إنه بغير القدوة الصالحة لا يثمر، بل قد يأتي بثمار عكسية إذا وجدت القدوة السيئة.

على الرغم من ذلك كله فإن التلقين عنصر عظيم الخطر في ذاته وضرورة لا غنى عنها على الإطلاق، لكل الناس في كل الأعمار، وللأطفال بصفة خاصة، الذين لا تتسع مداركهم ليفهموا -تلقائيًّا- حكمة كل تصرف يقوم به الكبار فيلزم تلقينهم إياها، والذين تختلف دوافعهم عن دوافع الكبار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015