نفسه، ولا أنه -من ناحية أخرى- مستعص على التربية السليمة. معناه فقط أنه طفل متعب، وأنه في حاجة إلى جهد زائد لكي يستقيم.
ونستطيع -بمعادلة حسابية- أن نقول: إن القدوة الطيبة هي دائمًا قيمة موجبة، يحذف بإزائها قدر مساو من الجهد. فالحالة التي تحتاج إلى جهد متوسط تصبح -بوجود القدوة الطيبة- في حاجة إلى جهد يسير. والحالة التي تحتاج إلى جهد كبير تصبح -مع القدوة- في حاجة إلى جهد متوسط فحسب. والحالة التي تحتاج إلى جهد ضخم بصورة غير عادية تصبح -مع القدوة- في حاجة إلى جهد كبير ولكنه في حدود الطاقة، مع وجود أمل أكبر في نجاح الجهد. وهكذا لا تضيع القدوة الطيبة أبدًا في أية حالة.
والطفل ذو الوراثات السيئة في حاجة إلى ملاحظة أدق ومتابعة أشق. ولا يكفي توجيهه مرة ومرة ومرة. فقد يعود بعد هذه المرات كلها إلى ارتكاب ذات الخطأ أو ذات الجرم الذي نبه إليه. وعندئذ لا بد من مزيد من الحسم, ولكن بالصورة التي لا تفسد القلب ولا تيئس الطفل من عطف والديه، ولا بد من تشجيعه عند أي تحسن يطرأ على حالته ليظل على خط التحسن, ولا ينتكس بدافع اليأس وعدم التقدير. ولا بد من الصبر الطويل حتى يستقيم الحال. ولا بد أن يشعر الطفل - بصورة ما- أن والديه، حتى في وقت شدتهم عليه من أجل الخطأ الذي يرتكبه، لا يكرهانه ولا ينبذانه. إنما يحبان له الخير، ويشتدان عليها أحيانًا من أجل حبهم له وحبهم لصلاح أمره.
مهمة شاقة ولا شك.. خاصة حين تبطئ الثمرة ويطول الجهد ويطول التدريب. ولكنها أبدًا ليست ميئسة!
وفي النهاية، بعد الجهد الشاق المضني، قد لا يصل ذلك الطفل أبدًا إلى مستوى الطفل ذي الوراثات الفائقة أو قريبًا منه. ولكن لا شك أنه سيكون أصلح وأكثر استقامة مما لو ترك بغير هذا الجهد الشاق.. كما أن حالته كانت ستكون أسوأ لولا وجود القدوة الطيبة من حوله.
إنه -بغير هذه القدوة وبغير هذا الجهد- كان سيصبح مجرمًا جانحًا محترفًا للشر مدمنًا عليه. فأي نجاح للتربية حين ترفعه من هذه الهوة إلى أن يصبح إنسانًا يخطئ ولكنه يفيء إلى الصواب، وينحرف عن السلوك الأمثل ولكنه لا يقع في الجريمة؟!