تكدحه في الأرض! ولكن هذا الجهد يكون محببًا إلى النفس ولا شك حين يرى الإنسان ثماره الجنية، ويراها قريبة المنال.

ولا شك أن الجهد سيختلف من طفل إلى طفل حسب مزاجه ووراثاته وظروفه الخاصة.

فأما الطفل ذو الوراثات النفسية الفائقة1 والظروف الطبيعية، فسيكون أقل الجميع حاجة إلى الجهد، وسيكون أكثرهم تشربًا للقدوة الصالحة من حوله وأشدهم تأثرًا بها، لأن لديه استعدادًا طبيعيًّا فائقًا لتلقي القيم والمبادئ الصالحة والانطباع بها والممارسة العملية لها، ولن يحتاج إلا إلى قليل من التوجيه بين الحين والحين. والتوجيه مرة واحدة في الأمر الواحد قد يغنيه بقية العمر فلا يحتاج إلى توجيه جديد.

وأما الطفل ذو الوراثات العادية فستكون القدوة الطيبة معينًا كبيرًا له في الاستواء على الميزان، لأنها ستنمي جانب الخير الطبيعي في نفسه وستجعله هو الأرجح وهو الأقرب انبعاثًا حين يهم الطفل بالتصرف في أمر من الأمور. ولكن لن تكفيه القدوة وحدها، أو لن تكون هي حافزه التلقائي في كل حالة. ولا بد -رغم وجود القدوة الطيبة وتأثيرها الأكيد فيه- من ملاحظة تصرفاته أولًا بأول، وتوجيه إلى الصواب كلما أخطأ أو هم بالخطأ، بشيء من الرفق أحيانًا وشيء من الحسم أحيانًا "مع التغاضي بين الحين والحين" حتى يتعود الاستواء ويصبح طبيعة ذاتية له، فيقترب -بعد هذا الجهد- من الطفل ذي الوراثات الفائقة، الذي استوى على الميزان بغير جهد يذكر.

وأما الطفل ذو الوراثات السيئة فهو طفل متعب، رغم وجود القدوة الطيبة أمامه. ذلك أن وراثاته السيئة تلتوي به عن قبول القدوة الطيبة ومحاكاتها، لأن استعداده للانحراف أكبر من استعداده للاستواء.

ولكن ليس معنى هذا -من ناحية- أن القدوة الطيبة عديمة الأثر في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015