ولكنه لا يغفر لأبويه أبدًا شيئًا من ذلك، ولا يمكن أن يمر شيء منه بغير تأثير عميق في نفسه. قد يبقى بقية العمر كله لا يتغير.
ومن هنا كان حرص الإسلام الشديد على أن يكون الأبوان في ذاتهما مسلمين، أي: ممارسين لحقائق الإسلام وقيمه ومبادئه، وحرصه على تربية الناس على منهج الإسلام، لكي يكونوا هم القدوة المباشرة لأبنائهم في الفترة التي ينحصر عالم الطفل فيهم، فتتكون في نفوس الأطفال-بالالتقاط والمحاكاة- تلك القيم والمبادئ الإسلامية بغير جهد يذكر، وتنشأ في نفوسهم منذ الصغر فتكون عميقة الجذور، ثم يزيدها التعليم رسوخًا، ويزيدها المجتمع الإسلامي قوة، حين يكبر الطفل فيتلقى التعليم، ثم يكبر أكثر فيحتك بالمجتمع ويأخذ منه ويعطي.
ومن هنا كذلك كان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على توصية الرجل وهو يتزوج أن يظفر بذات الدين، فيقول له: "تنكح المرأة لأربع خصال: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك" 1.
فذات الدين هي الركن الركين في إقامة البيت المسلم والأسرة المسلمة، وفي تنشئة الأطفال -بالقدوة قبل التلقين- على قيم الإسلام ومبادئه منذ نعومة أظفارهم، فتصبح عادة لهم وطبيعة، وتصبح جزءًا من كيانهم ليس من السهل أن يحيدوا عنه حين تحاول أن تلويهم الأعاصير.
وحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم والأم ذات الدين فإن كثيرًا من الجهد الذي يبذل في تنشئة الطفل على الإسلام يكون جهدًا ميسرًا وقريب الثمرة في ذات الوقت. لأن الطفل يستشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به تشربًا تلقائيًّا، وستكون تصرفات الأم والأب أمامه في مختلف المواقف، مع بعضهما البعض ومع الآخرين، نماذج يحتذيها ويتصرف على منوالها.
وليس معنى هذا أنه لن يبذل جهد على الإطلاق في عملية التربية، أو أنها كلها ستتم تلقائيًّا عن طريق القدوة المتمثلة في الوالدين. كلا! لا يمكن أن تتم التربية بلا جهد! إنها جزء من "الكدح" المكتوب على البشرية أن