كانت درجة التوصيل بين جهازي الالتقاط والمحاكاة وجهاز الوعي، فإن جهازي الالتقاط والمحاكاة -بوعي أو بغير وعي- يرسمان -أو يعمقان- خطوطًا كثيرة ورئيسية في البناء النفسي للطفل.
ولا شك أنه لا يدرك ما ندركه نحن الكبار من معنى القيم والمبادئ. ولكنه -بطريقة ما- ينشئ في نفسه قاعدة تنبني عليها تلك المبادئ في المستقبل فإذا كانت القاعدة مضطربة ومعوجة فليس لنا أن نأمل أن تكون القيم والمبادئ سليمة عنده.
وقد مر بنا منذ قليل كيف أن إحساس الطفل بالاضطهاد والظلم من أبويه يؤثر في بناء هذه القاعدة فيدمرها بدلًا من أن يشيدها.
ورويدًا رويدًا -مع زيادة الوعي- يلتقط من أبويه -بالقدوة- قدرًا متزايدًا من القيم والمبادئ، السيئة أو الحسنة حسب الأحوال!
ومرة واحدة من القدوة السيئة تكفي!
مرة واحدة يجد أمه تكذب على أبيه أو أباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران. مرة واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة "الصدق" في نفسه، ولو أخذا كل يوم وكل ساعة يرددان على سمعه النصائح والمواعظ والتوصيات بالصدق!
مرة واحدة يجد أمه أو أباه يغش أحدهما الآخر أو يغشان الناس في قول أو فعل. مرة واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة "الاستقامة" في نفسه، ولو انهالت على سمعه التعليمات!
مرة واحدة يجد في أحد من هؤلاء المقربين إليه نموذجًا من السرقة, كفيلة بأن تدمر في نفسه قيمة "الأمانة".
وهكذا ... وهكذا في كل القيم والمبادئ التي تقوم عليها الحياة الإنسانية السوية.
وقد يغفر الطفل للآخرين أن يكذبوا ويخدعوا ويسرقوا ويغشوا ويخونوا ... أو لا يتأثر به كثيرًا، أو لا يتأثر به على الإطلاق. إذا كان يأوي إلى ركن ركين من القيم والمبادئ متمثلة في أبويه. وخاصة حين يبين له أبواه بالقدر الكافي من الإبانة والتوضيح أن تلك نماذج سيئة لا ينبغي له أن يحاكيها، مستندين إلى النموذج الطيب الذي يقدمانه هما لطفلهما.