من والديه. ويوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأخوة لهذا السبب ذاته، لأنه شعور أي واحد منهم بوقوع الظلم عليه من والديه يفسد كيانه. ويدمر -كما قلنا- القاعدة التي تنبني عليها في المستقبل تلك "القيم" و"المبادئ" التي هي حقيقة الإسلام. ولا يمكن أن يقوم البناء بغير قاعدة يلتقاها الطفل في أيامه الأولى من المحيطين به، وأقربهم إليه وألصقهم به هما الوالدان.
وذلك ينتقل بنا إلى الخط الثالث من خطوط التربية الإسلامية بعد المعيار المضبوط من "العطف" و"الحسم" و"القدوة".
لقد كبر الطفل الآن شيئًا ما، وكبر معه وعيه وإدراكه، فأصبح أكثر إدراكًا لما حوله وأكثر تأثرًا به، وهنا تأتي مرحلة من أشد المراحل خطورة في حياة الإنسان، وهي مرحلة الاقتداء بمن حوله. فإذا كانت القدوة حسنة فهناك أمل راجح في صلاح الطفل، وإن كانت القدوة سيئة فهناك احتمال أرجح بفساده.
وقدرة الطفل على الالتقاط -الواعي وغير الواعي- كبيرة جدًّا، أكبر مما نظن عادة ونحن ننظر إليه على أنه كائن صغير لا يدرك ولا يعي!
نعم. حتى وهو لا يدرك كل ما يراه فإنه يتأثر به كله! فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة. وقد يتأخر الوعي قليلًا أو كثيرًا، ولكن هذا لا يغير شيئًا من الأمر. فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل، وهو يقلد بغير وعي، أو بغير وعي كامل، كل ما يراه حوله أو يسمعه.
ومن طريق الالتقاط والمحاكاة يتعلم الكلام، وهذا يثبت أن هناك قدرًا من الوعي يكفي لتعلم معاني الأصوات والمفردات والجمل، وينفي فكرة عدم الإدراك التي يتوهمها كثير من الناس في الطفل الصغير. وإذا كانت الأمور الأخرى -التي نسميها معنوية- أخفى وأعقد على إدراك الطفل، فهذا لا يعني عدم إدراكها البتة، فإن عملية تعلم اللغة وإدراكها معجزة ضخمة يحار العلم في تكييفها، وتدل دلالة قاطعة على أن هذا الكائن البشري يتفجر وعيه في وقت باكر جدًّا، أبكر كثيرًا مما نعتقد نحن الكبار!
وأيًّا كان القدر الحقيقي للوعي والإدراك في هذه السن الباكرة، وأيًّا