مهما بدا لنا أنه لا يتأثر- والنتيجة كما قلنا هي اضطراب المعايير في حسه، بحيث لا يصبح الخطأ والصواب واضحي المعالم عنده، ومن ثم لا يعود يلتزم بما يطلب منه.
وليس معنى ذلك -إذا أسرف أحد الوالدين في العقاب مثلًا- أن يقف الطرف الآخر مكتوفًا وهو يحس بهذا التجاوز، ولكنه عليه أن يقوم بتسكين الموقف دون إظهار المعارضة. كأن يأخذ الطفل بعيدًا ويقول له: انظر كيف أغضبت أباك -مثلًا- لأنك صنعت كذا وكذا. اعتذر له لكي يرضى عنك. وبذلك ينقذ الطفل من العقاب الزائد دون أن يحس أن أبويه قد اختلفا بشأنه.
ثم ينبغي أن نتجنب السياسة المقررة سلفًا إزاء الطفل، بمعنى أنها لا تتغير مهما غير سلوكه. فإن ذلك مفسد له في جميع أحواله سواء كان يتلقى جرعة زائدة من العطف أو الحسم. فإنه إن كان يتلقى جرعة زائدة من العطف -كسياسة مقررة دائمة مهما فعل- فإن ذلك يغريه بالمخالفة وعدم الطاعة وعدم الانضباط، معتمدًا على أنه يتلقى العطف دائمًا مهما أخطأ، ومهما عظم خطؤه. وذلك فساد ولا شك. وإن كان يتلقى جرعة زائدة من الحسم -كسياسة مقررة دائمة مهما فعل- فإن ذلك ييئسه من تغيير مشاعر والديه نحوه مهما عدل من سلوكه وأصلح من عيوبه. وذلك يغريه أن يعدل عن التصحيح ويتمادى في الخطأ ما دام لا يجد التقدير على الجهد الذي يبذله لإصلاح نفسه، ولا يجد التشجيع. كما أنه يولد في حسه شعورًا بالاضطهاد والظلم، فيدمر في نفسه القاعدة التي تنبني عليها في المستقبل القيم العليا والمبادئ، لأنه يجد في أقرب الناس إليه وألصقهم به -وهما الوالدان- نموذجًا سيئًا لأنه ظالم، فكيف يتعلم هو العدل؟ وكيف يتعلم بقية القيم والمبادئ التي يقوم عليها الإسلام؟!
إلى هذا الحد تؤثر تلك الأمور التي تبدو صغيرة وعابرة وغير ذات وزن. ونشير هنا -بالمناسبة- إشارة عابرة إلى أن مثل هذا كان هو السبب في جفوة عمر رضي الله عنه في الجاهلية. فقد كان أبوه -الخطاب- شديدًا جافيًا عليه، نابذًا له واجدًا عليه، فنشأت فيه هو تلك القسوة والشدة التي كان يشكو منها المسلمون قبل أن يسلم عمر ويتعدل بناؤه النفسي كله بلمسة الإيمان.
ومن أجل ذلك يحرص الإسلام حرصًا شديدًا على ألا يحس الطفل بالظلم