فالطفل المعتل الصحة كثيرًا ما يتلقى من أبويه -وأمه خاصة- جرعة زائدة من الرعاية والعطف، يكون محتاجًا إليها بالفعل في أثناء مرضه، ولكنها تفسده إن ظل يتناولها على الدوام بعد انتهاء الحاجة إليها، وتعرضه لأن يكون هش البناء النفسي والعصبي، سريع التأثر، قليل الصبر على الجهد والمجالدة. لذلك لا بد من تقليل هذا القدر الزائد من العطف تدريجيًّا، وزيادة الجرعة المعطاة من الصلابة والحسم حتى يتعادل الميزان. ولو أن هذه عملية شاقة -على الأم بصفة خاصة- ولكن عليها هي كذلك أن تتعود الضبط لمشاعرها تجاه أطفالها، فذلك خير لهم في مستقبل الحياة.
وعلى العكس من ذلك الطفل العنيف الدوافع، بالوراثة أو لأي سبب آخر. إنه أحوج إلى عنصر الحسم ليوازن اندفاعاته، وليتعود القدرة على ضبطها حتى لا تجمح به ولا تجنح.
ولكن ليس معنى هذا هو استمرار الشدة عليه بسبب وبغير سبب، فذلك كفيل أن يفسده ويزيده نشوزًا بدلًا من إصلاحه. وخاصة إذا وصل الأمر إلى أن يحس الطفل -وهما أو حقيقة- أن أبويه لا يحبانه ولا يريدانه.
والأمر كما قلنا يحتاج إلى حكمة يداول فيها الأبوان بين العطف والحسم، مرة هكذا ومرة هكذا حتى يستقيم ما هو معوج من كيان الطفل، ويستطيع أن يضبط نزواته.
كما ينبغي أن تكون سياسة الأبوين موحدة أو متقاربة تجاه الطفل بحيث لا يشعر أن هناك فارقًا ملحوظًا بين معاملة كل منهما له. وبالذات لا ينبغي أن يقف الأبوان موقفين متعارضين -أمام الطفل- تجاه عمل قام به، أحدهما -مثلًا- يطالب بعقابه والآخر يعارض في توقيع العقوبة عليه، فإن هذا يفسد الموازين في حسه، ويشعره بأن الأمور ليس لها ضابط محدد، ولا معيار معين يلتزم به. وأن في إمكانه أن يخالف تعاليم أحد الوالدين ويجد من يدافع عنه من طرف آخر!
وحتى حين يكون موقف الوالدين مختلفًا بالفعل في تقدير ما ينبغي أن يعامل به الطفل في موقف معين، فلا يجوز لهما أن يعلنا خلافهما ذلك أمام الطفل، إنما فيما بينهما فيما بعد، وعلى غير مسمع من الطفل، لأنه يدرك مغزى الخلاف بين الوالدين بشأنه -مهما بدا لنا أنه لا يدرك- ويتأثر بنتائجه -