فالمنهج الإسلامي منهج متوازن، وهدفه هو إنشاء "الإنسان الصالح" الذي هو في ذات الوقت إنسان متوازن1. وسنرى من كل تفصيلات المنهج أن التوازن هدف أصيل يسعى الإسلام لتحقيقه في واقع الأرض، ليكون الإنسان في وضعه الأسمى الذي خلقه الله عليه, ولا يميل فيفقد توازنه وينتكس إلى أسفل:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} 2.
والحب والحنان والرعاية -كما رأينا- عنصر حيوي للنمو النفساني السليم للطفل، وللإنسان عامة، ولكنه حين يزيد عن حده ينشئ الرخاوة والترهل البدني والنفسي والروحي والفكري. فلا بد من عنصر آخر يوازنه هو الضبط.
والضبط كذلك له معيار لا ينبغي أن يزيد عنه أو ينقص. فالزيادة أو النقص في أي عنصر من عناصر التربية كلاهما مفسد، لأنه يخل بالتوازن المطلوب.
حين تزيد قوة الضبط فهي عرضة لأن تزيد على حساب حيوية الإنسان وقدرته على الانطلاق والإيجابية الفاعلة في الأرض.
وحين تنقص فإنها تعطي مجالًا للرخاوة والترهل. أو للفوضى. وكلاهما أمر لا يحبه الإسلام؛ لأنه مخالف للميزان المضبوط الذي يريد أن يربي أتباعه عليه، والذي يريد الله أن تقوم عليه حياة البشر على الأرض.
والوالدان الحكيمان يستطيعان بحكمتهما وخبرتهما أن يضبطا "الميزان" بحيث تعتدل كفتاه، ما بين الحب والرعاية والعطف، وبين الحسم الذي ينمي القدرة على الضبط، مع مراعاة الفروق الفردية بين طفل وطفل حسب وراثاته الذاتية، وحسب ظروفه الذاتية. فهناك طفل أحوج إلى الحنان والعطف لكي يتوازن كيانه، وطفل أحوج إلى الحسم لكي يتوازن كيانه كذلك. فلا يعطى الاثنان جرعة متماثلة من العطف أو الحسم، إنما يعطى كلٌّ منهما ما يناسبه من هذا وذاك.
ولا بد من الحذر وإعادة الموازنة كلما قطعنا شوطًا من التربية.