والأم التي ترضع طفلها كلما بكى، لكي يسكت، أو لأنها لا تطيق أن تسمعه يبكي، تضره بذلك لأنها لا تعينه على ضبط رغباته، ولا تعوده على ذلك الضبط في صغره فلا يتعوده في كبره. ومن منا تتركه ظروف الحياة لرغباته يشبعها كما يشاء؟ وذلك فضلًا على أن المسلم بالذات ينبغي أن يتعلم الضبط ويتعوده منذ باكر عمره، لأن الجهاد في سبيل الله لا يستقيم في النفس التي لا تستطيع ضبط رغباتها، فتنساق معها. وكيف يمكن الجهاد بغير ضبط للشهوات والرغبات، حتى إن كانت في دائرة المباح الذي لا إثم فيه في ذاته، ولكنه يصبح إثمًا حين يشغل عن الجهاد في سبيل الله:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 1.
فكل ما ذكرته الآية ليس محرمًا في ذاته، ولكنه صار فسقًا وحرامًا حين أصبح سببًا في القعود عن الجهاد في سبيل الله، وحين رجحت كفته في ميزان القلب على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله.
فما الوسيلة للاستقامة على ميزان الله إلا ضبط هذه الرغبات، والاستغناء عنها حين تحول بين الإنسان وبين سبيل الله؟!
والضبط مقدرة يتدرب الإنسان عليها وعادة يتعودها. وكلما تدرب عليها وهو صغير كان أقدر عليها وأكثر تمكنًا منها، فيجدها حاضرة في أعصابه حين تفجؤه الأحداث.
هذان الخطان من خطوط التربية: الحب والحنان والرعاية من جانب، وتنمية القدرة على الضبط من الجانب الآخر، هما من الخطوط الأصيلة والدائمة في منهج التربية الإسلامية، لا يختصان بمرحلة بعينها من مراحل العمر، وإنما يظلان عاملين طالما كان هناك تربية وتوجيه.
والحق أنهما يمثلان -معًا- أصلًا من الأصول الإسلامية وهو التوازن.