الأولى. منذ مولده. بأن يعطي القدر المضبوط من الحب والحنان والرعاية، بغير نقص مفسد ولا زيادة مفسدة، وأن كل نقص أو زيادة في ذلك العنصر الحيوي، إنما تفسد بقدرها من كيان هذا الطفل، الذي هو رجل الغد أو امرأة الغد، ونحن محاسبون أمام الله عن كل فساد نحدثه في الفطرة السوية، وعن كل تضييع لطاقة كان يمكن أن تبذل من الجهاد في سبيل الله.

والتربية في حقيقتها مسئولية أمام الله:

"كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته" 1.

فإذا أخذ الطفل نصيبه وحقه من الحب والحنان والعطف، فقد جاءت المرحلة الثانية من مراحل تربية الوليد، وهي تعويده على "الضبط". وهي مسألة ذات خطر كذلك في حياته.

إن "الضوابط" في كيان الإنسان فطرية كالدوافع سواء بسواء. ولكن الدوافع أبرز ظهورًا وأسبق، كما أنها تعمل من تلقاء ذاتها. أما الضوابط، فمع كونها فطرية، فإنها تتأخر في ظهورها أولًا، وتحتاج إلى معونة خارجية لتنميتها، لأنها دائمًا تواجه ثقلًا أو ضغطًا معينًا، عليها أن توازنه أولًا ثم تتغلب عليه، مثلها مثل وقوف الطفل وحركته، ومثل نطقه بالأحرف والكلمات كلتاهما طاقة كامنة في تكوينه، ولكنها تحتاج إلى معونة خارجية لتنميتها. الأولى لأنها تقاوم جاذبية الأرض، والثانية لأنها تقاوم ثقلة اللسان، فإذا لم تتلق المعونة الخارجية فقد تعجز عن العمل أو تتأخر عن موعدها المعهود2.

والطفل في حاجة إلى معونة أمه لكي يتعلم الضبط ويتعوده.

أول ما يحتاج إليه هو ضبط إفرازاته. والأم تعود طفلها تدريجيًّا على ضبط هذه الإفرازات بتخصيص مواعيد معينة لها، والجسم يتعود على عملية الضبط هذه تلقائيًّا, ولكن بعد التدريب الذي يستغرق لا محالة فترة من الوقت.

ثم يحتاج إلى ضبط رضاعته ... وهذه كذلك يتعود عليها الطفل بعد التدريب. وقد يكون الأمر شاقًّا في المبدأ ولكنه ضروري مع ذلك، وإن بكى الطفل واستاء من هذا الضبط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015