متوازنة في حدود معقولة من الميل هنا أو هناك. ولكن حين يبرز أحد الخطين المتقابلين ولا يبرز الآخر المقابل له "وهذه هي الصورة الغالبة" أو يبرزان معًا بروزًا زائدًا عن الحد، أو ينقصان معًا نقصًا زائدًا عن الحد، فهنا ينشأ الانحراف.
والأمزجة الوراثية السيئة إن هي إلا نوع من هذه الأنواع الثلاثة من الانحراف، وأولها -كما قلنا- هو الغالب، ولكن الأخيرين كذلك موجودان بنسب متفاوتة في البشرية.
وهنا تأتي مهمة التربية لإعادة التوازن إلى هذه الخطوط المتقابلة ومنعها من الانحراف. فأما إن كانت التربية فاسدة فإنها تنشئ الانحراف من عندها أو تزيده حدة إن كان موجودًا من قبل.
ولنعد إلى خطي الحب والكره، فإنهما من أخطر الخطوط في بناء النفس الإنسانية.
يولد الطفل بخطين باهتين متقابلين، أحدهما يتجه إلى الحب والآخر يتجه إلى الكره. كلاهما فطري، وكلاهما ضروري في حياة الإنسان. كل إنسان لأن كل إنسان ينبغي أن يحب وأن يكره. يحب الأشياء التي يجب أن تحب، ويكره الأشياء التي يجب أن تكره. وإلا فهو إنسان غير سوي، ناقص الكيان.
وحين يترك الإنسان بغير توجيه فهو عرضة لنوع معين من الاختلال في هذين الخطين، فيحب ذاته بأكثر مما ينبغي. ويكره الآخرين. وهذا -بالذات- هو الذي يحتاج إلى التعديل، لإنشاء التوازن بين الخطين، وإعادته كلما اختل.
والذي ينشئ التوازن، ويعيده إذا اختل، هو هذا الحب الذي يضفيه الوالدان، والأم خاصة، على ذلك الطفل الوليد، بالقدر المضبوط الذي يحتاج إليه، بلا زيادة ولا نقصان.
فإذا لم يجد الطفل ذلك الحب لأي سبب من الأسباب، سواء كان السبب قسوة وغلظة في قلب الأم، أو شقاقًا وشجارًا دائمًا بين الوالدين لا يجعل في نفسهما فسحة يتجهان بها إلى الطفل بالحب والعطف، أو كان السبب انشغال الأم عن الطفل بالعمل خارج البيت، فهناك نتائج لفقدان هذا الحب كلها سيئة على الإطلاق. وأبرزها أن ينمو خط الكره دون أن ينمو خط الحب، أو بأكثر منه، فتنشأ في نفس الطفل الكراهية للآخرين والحقد عليهم، فلا