بالتجمل والصبر، والإبقاء على الصلة القائمة بينهما. وإلا فإنهما يفترقان بالمعروف إذا تعذرت بينهما الحياة.
في مثل هذا الجو يولد الطفل المسلم، فتتلقاه منذ اللحظة الأولى الفرحة الفطرية بالوليد، التي تلتقي عندها البشرية كلها، مهتدية وضالة، لأنها من أمور الفطرة التي لا تتعلق بالهدى والضلال. ولكن يفترق بعد ذلك الطريق.
فبينما لا يشغل الناس في الجاهلية إلا تلك الفرحة الفطرية، والحنان الفطري والرعاية الفطرية للوليد، فإن الأبوين المسلمين يحسان إلى جانب ذلك بمسئولية معينة تجاه الله، هي أن ينشئا طفلهما على منهج الله. فذلك قائم في حسهما من أول لحظة، وهما على وعي منه، ما داما مسلمين حقًّا، وليسا مسلمين "بالوراثة" أو بالاسم أو بشهادة الميلاد! وهما يتحريان ذلك الأمر، ويعملان له، ويجتهدان فيه.
وفي مبدأ الأمر يكون وعي الطفل ضئيلا وإدراكه في أضيق حدود, ولكن غير صحيح أنه لا يعي على الإطلاق.. فهو في أيامه الأولى يعي تلك البسمة الحانية في وجه الأم، ويرتاح لها، وتطمئن نفسه إليها. ويعي غضبها كذلك وينزعج منه ويبكي.
وهو لا يملك من وسائل التعبير في أيامه الأولى، وشهوره الأولى كذلك إلا بسمة الرضا والارتياح, أو بكاء القلق والانزعاج والخوف والغضب والجوع والألم من كل نوع، مع حركات معينة في جسده في حالة الرضا، وحركات عصبية مع البكاء؛ ولكنه إن كان ضئيل القدرة على التعبير فليس معنى ذلك أنه ليس لديه ما يعبر عنه! بل إنه ليحمل في قلبه الصغير شحنة ضخمة من العواطف والانفعالات، إن تكن وقتية، وإن تكن سريعة الاستهلاك، فهي مع ذلك تخط خطوطها في تلك الصفحة البيضاء أو الباهتة الخطوط!
الحقيقة أن الصفحة ليست بيضاء كما نتوهم، بمعنى أنها خالية من الخطوط.
هل رأيت الثمرة في بدء تكونها؟
إنها خضراء كلها ما تزال.. ولكن دقق النظر فيها تجد أن فيها بداية للملامح التي ستكون عليها في المستقبل بداية خطوط، لم تتلون بعد ولكنها بدأت