وأما في الحالة الثالثة فالأمر يحتاج إلى جهد خاص لا بد أن يبذله الوالدان لتقويم تلك الوراثات السيئة في وقت مبكر، قبل أن تكون لها السيطرة على نفس الطفل. ولا بد أن يكون لها السيطرة إذا تركت وشأنها دون تقويم. أما حين يكتشفها الوالدان في وقت مبكر، ويتعهدانها بالملاحظة والرعاية والتوجيه، فسيحدث التعديل المطلوب بقدر نسبي من اليسر، أيسر بكثير من محاولة هذا التقويم في فترة متأخرة من العمر. ومع ذلك فلن يكون الأمر مستحيلًا حتى حينئذ. فهناك أكثر من فرصة للتقويم، ولإحداث تغييرات جذرية في النفس البشرية على امتداد حياة الإنسان.

وسنقصر حديثنا في التربية على الحالة الثانية والثالثة، حالة الطفل ذي الوراثات العادية، والطفل ذي الوراثات السيئة، مع إشارات عابرة للحالة الأولى، حالة الطفل ذي الوراثات الممتازة، ذلك أنه أيسرها جهدًا وأقلها كلفة في البيت المسلم، وإن كان عرضة لكثير من ألوان الجنوح في البيت الجاهلي والمجتمع الجاهلي!

والأب المسلم والأم المسلمة شخصان يعتقدان بوجود إله واحد، ويوقران هذا الإله، وتظهر في تصرفاتهما آثار هذا التوقير، بالتزام أوامر الله وعدم التبجح بالخروج عليها، وإن وقعت منهما هفوات فلا يصران عليها.

تلك هي الصورة "العادية" للمسلم والمسلمة. وليست هي الصورة المثالية كما قد يبدو لنا في غربة الإسلام الحالية، التي انحدرنا فيها إلى مستوى أصبحنا ننظر فيه إلى الشخص الذي لا يسرق أو لا يكذب، أو الذي يفي بما يعد، كأنه شخص أسطوري يتسامع به الناس ولا يصدقون وجوده!

إنما الصورة المثالية شيء آخر أعلى بكثير من مجرد التزام أوامر الله, وعدم التبجح بالخروج عليها. إنها الخشية الدائمة لله، والتقوى الدائمة لله, والتطوع النبيل بما هو أكثر من الحد الأدنى المفروض، واحتمال الأذى في سبيل الله، والجهاد بالأنفس والأموال ابتغاء مرضاة الله.

تلك هي الصورة المثالية، الواقعية في ذات الوقت، التي تحققت في ألوف الأفراد بل في مئات الألوف في المجتمع المسلم الأول، وما زالت تتحقق كلما مس قلب بشري تلك الشحنة المقدسة فاستضاء منها بقبس من نور الله.

أما الصورة العادية فهي التي يفترض أن يكون عليها كل مسلم ومسلمة!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015