يليهم من الأجيال على نفس الصورة: صورة الممارسة الفعلية والتربية الواقعية. وبذلك يستمر الواقع الإسلامي قائمًا ومتصل الحلقات.

ولقد كان كذلك خلال قرون متطاولة من الزمان، ولكن الوهن التدريجي، سرى إلى المسلمين فتخلخلت قبضتهم رويدًا رويدًا عن حبل الله الذي أمرهم أن يعتصموا به: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} حتى جاءت أجيال أخذت الكتاب "وراثة" ليس غير. فانقطع الحبل المتصل. وصرنا إلى ما صرنا فيه من الضياع.

إنما الأصل في الإسلام أن يسلمه كل جيل إلى الجيل الذي يليه أمانة حية فاعلة في واقع الحياة. ذات رصيد واقعي متمثل في سلوك عملي إلى جانب التصورات والمشاعر. سلوك عملي يترجم مفاهيم الإسلام وتصوراته ومبادئه وأخلاقياته إلى واقع ملموس.

ولا يكون هذا -بداهة- إلا بأن يكون الأب والأم ذاتهما مسلمين بالمعنى الحقيقي للإسلام، لا إسلام الأسماء ولا شهادات الميلاد! فالأب والأم وأي إنسان في الوجود لا يستطيع أن يعطي إلا من الرصيد الذاتي الذي يملكه، وفاقد الشيء لا يعطيه. فإن لم يكن لهم ذلك الرصيد الذاتي من الإسلام فكيف ينشئون غيرهم على الإسلام؟!

ولقد تستطيع المدرسة المسلمة -بالجهد- ولقد يستطيع المجتمع المسلم -بالجهد كذلك- أن يربيا إنسانا -صغيرًا أو كبيرًا- تربية إسلامية لا يكون ترباها في البيت على يد أبوين مسلمين. ولكن جهدهما غير مضمون الثمرة لأن تأثير البيت المعاكس يظل دائمًا عرضة لإفساد ما تحاوله المدرسة ويحاوله المجتمع. إلا أن ينقل الإنسان إلى بيئة جديدة تمامًا غير البيئة التي نشأته بادئ ذي بدء، حيث يتلقى الإسلام على أصوله ويمارسه ممارسة واقعية تمسح من نفسه آثار الانحراف.

ولكن الأصل في الأشياء كما أسلفنا أن يكون البيت المسلم هو المحضن الطبيعي والموئل الأول الذي ينشئ الطفل تنشئة إسلامية صحيحة. وينبغي لذلك أن يكون الأب والأم في ذاتهما مسلمين إسلام الممارسة الواقعية كما أرادها الله.

وسنتحدث في نهاية كل فصل من الفصول القادمة "من الصبا إلى الشباب الباكر" و"من الشباب الباكر إلى النضج" و"مرحلة النضوج" عما يمكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015