كلهم مسلمون على مستوى القمة، ولكل مع ذلك طابعه الخاص!
ومع عناية الإسلام بأن يكون البيت والشارع والمدرسة "وكانت يومئذ تقام في المسجد" والمجتمع كلها سائرة في طريق واحد ومؤدية إلى غاية واحدة.
فقد كان تركيز الإسلام الأكبر على البيت والأسرة، لأن البيت -بداهة- هو المحض الذي ينشأ فيه الطفل حتى يكبر، ويلتقط منه الانطباع الأول الذي قد يؤثر فيه مدى الحياة.
نقول قد ولا نقول على وجه اليقين، لكي لا نغلق الباب أمام التأثيرات الأخرى ذات الفعالية، ولكي لا نغلق الباب أمام التأثيرات التي يمكن أن تحدث تغييرًا شاملًا في النفس في فترات "الانقلابات" الوجدانية التي تحدث في حياة الإنسان بعد مرحلة الطفولة، وبصفة خاصة مرحلة المراهقة، ومرحلة الشباب المبكر.. كما أن الباب مفتوح أمام "الانقلاب" الوجداني في أي مرحلة من مراحل العمر، كالمرحلة التي انتقل فيها عمر رضي الله عنه من الجاهلية إلى الإسلام.
وتتضح لنا عناية الإسلام بالبيت والأسرة باعتبارهما محضن الطفولة الأول, وموطن التأثير الأكبر في مجال التربية.. تتضح لنا هذه العناية من مراجعة تشريعات الإسلام وتنظيماته وتوجيهاته جميعًا.
فأما التشريعات والتنظيمات فقد كفلت قيام الأسرة على رباط شرعي معلن قائم باسم الله؛ وفي ذلك ما فيه من حفظ الأنساب واطمئنان الأب إلى أبنائه واطمئنان الأبناء إلى أبويهم. وذلك عنصر مهم من عناصر الاستقرار في نفس الطفل، إن لم يدركه وهو صغير فإنه يدركه في مرحلة من مراحل عمره لا محالة، ويدمر كيانه إن لم يستقر فيه على يقين، أو كان اليقين على غير ما يحبه ويرضاه.
كما كفلت التشريعات والتنظيمات قيام الزوج بكفالة الزوجة وإراحة أعصابها -في الظروف العادية- من جهد الكدح من أجل لقمة الخبز، وذلك لكي تتفرغ لمهمتها العظمى في تنشئة الأجيال.
ولئن كان الجنون الذي أصاب الجاهلية الحديثة هو تشغيل المرأة، وشغلها بقضية المساواة مع الرجل، وحملها على أن تستنكف التفرغ للأمومة وبناء الأجيال القادمة من البشرية, وتعده حطًّا من قيمتها وتضييعًا لمواهبها,