أو استقراره على الضلال؛ أي: في حالة وجود تيار غالب مسيطر، يشكل كل شيء بطابعه، ويدفعه في طريقه المرسوم.
وحتى حينئذ فلن يخلو الحال من بعض الصراعات الناشئة من الاختلافات الطبيعية بين بشر وبشر، وطائفة وطائفة في ذلك المجتمع ذي الاتجاه الغالب المسيطر.
أما في حالات التحول، سواء من الضلالة إلى الهدى، أو من الهدى إلى الضلال، أو التحول من طور من الضلالة إلى طور آخر؛ أو في حالة وجود تيارات متباينة متصارعة في المجتمع، فهنا تكون الصراعات بين البيت والشارع والمدرسة والمجتمع صراعات طبيعية ومتوقعة لا غرابة فيها، وتشتد بمقدار تباين هذه التيارات من ناحية، وبمقدار درجة تصارعها من جانب آخر. فقد تتباين التيارات -فترة- ولا تتصارع، لانعزال كل منها عن الآخر، واكتفائه بوجوده الذاتي بغير رغبة في إزاحة التيارات الأخرى, أو بغير قدرة على إزاحتها. أما حين توجد هذه الرغبة في الإزاحة أو القدرة عليها فلا بد أن ينشأ الصراع ويشتد، ولا بد أن يتمثل في واحد أو أكثر من هذه العوامل الأربعة: البيت والشارع والمدرسة والمجتمع، أو يتمثل فيها جميعًا في وقت واحد.
ومن بديهيات المجتمع الإسلامي أن يكون البيت والشارع والمدرسة والمجتمع كلها سائرة في طريق واحد؛ هو طريق الإسلام والتربية الإسلامية، وألا يوجد الصراع بينها، ما دامت كلها تنهج نهجًا واحدًا, وتستمد من معين واحد؛ وأن تتآزر جميعًا على تكوين الشخصية الإيمانية المسلمة التي هي طابع الإسلام وحصيلته الواقعية كذلك.
والشخصية الإيمانية المسلمة ليست صورة واحدة مكرورة كالنسخ المطبوعة، وإن كان الإسلام ولا شك يوحد كثيرًا من أنماط السلوك وعاداته، ويجعلها طابعًا مميزًا للمجتمع الإسلامي كله، ينعكس في السلوك الفردي لكل مسلم، كالآداب العامة، وطريقة التعامل في البيع والشراء. وآداب الزيارة، وآداب الحديث، وآداب الزواج، وآداب الأسرة.. إلخ.. إلخ. ولكن هذا التوحيد العام لأنماط السلوك وعاداته لا يلغي الفوارق الذاتية بين البشر المسلمين, ولا يجعلهم نسخًا مكرورة، وإنما يسمح بوجود درجات من الاختلاف تبلغ ما بين أبي بكر وعمر من فوارق، وما بين علي وعثمان، وما بين أبي ذر وخالد بن الوليد!