التي تعطي الحصيلة النهائية للعملية التربوية، مع عدم إغفال الطابع الذاتي والوراثات الخاصة، بل مع توكيد وجودهما وإبراز دورهما في الحياة البشرية.
ومن أجل تربية طفل واحد -كتربية جميع الأطفال على السواء- نحتاج أن يكون البيت والشارع والمدرسة والمجتمع في الصورة التي نرغب في تنشئة هذا الطفل عليها، لأن تأثيرها على طفل واحد كتأثيرها على كل الأطفال مجتمعين؛ ومتطلبات طفل واحد منها كمتطلبات كل الأطفال مجتمعين.
ولا يحسبن أحد أن هذه القولة تهويل بلاغي أو مبالغة لفظية.
كلا إنها حقيقة علمية مجردة لا انفعال فيها ولا تهويل.
فما دمت لا تستطيع -ولا ينبغي لك- أن تحبس طفلك -وهو طفل واحد- عن النزول إلى الشارع للعب أو للسير والانتقال فيه؛ ولا عن الذهاب إلى المدرسة ليتعلم؛ ولا عن الاختلاط بالمجتمع ومفاهيمه وعاداته وتقاليده وأنماط سلوكه. ولا عن التأثيرات الناشئة من ذلك كله. فلن تستطيع إذن أن تنشئ هذا الطفل -الواحد- كما تريد أنت، مهما كنت في بيتك على أعلى درجات المثالية في سلوكك الشخصي أو في منهجك التربوي..
صحيح أن البيت هو المؤثر الأول. وهو أقوى هذه العوامل الأربعة جميعًا. لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله فيبذر فيه بذوره قبل أي شيء أو أي أحد آخر، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل فيه أكثر "في سنواته الأولى على الأقل" ولأن الأشخاص المحيطين بالطفل فيه هم ألصق الناس جميعًا به وأحبهم إليه "وخاصة أمه" ومن ثم فهم أكثر الناس تأثيرًا فيه بالقدوة وبالتلقين على السواء.
كل ذلك صحيح، وسنبين فيما يلي من الكتاب بتفصيل أوفى خطر البيت وعظم تأثيره في التربية، ولكن ذلك لا يعني أنه هو المنفرد بالتأثير، ولا ينفي أثر الشارع والمدرسة والمجتمع في تكوين أخلاق الطفل وعاداته.
ولئن وجدت حالات فردية استطاع البيت فيها بجهد يفوق الطاقة أن ينشئ أطفاله على صورة مخالفة تمامًا لما عليه الشارع والمدرسة والمجتمع، فليس هذا أصلًا مفروضًا في طبائع الأشياء، ولا هو بالجهد الذي يقدر عليه كل الناس.. بل وليس كل الناس مؤهلين له ولو أرادوه ورغبوا فيه وعملوا عليه وبذلوا فيه الجهد، فهو يحتاج أن يكون المربون في ذلك البيت -من