كان مطلوبًا منه في الإسلام أن يتغير. بقيت له قوته وصرامته وحسمه وعزمه. ولكن في الحق والخير وإنفاذ كلمة الله. ثم قوم الإسلام ما كان فيه من انحراف وغلو، فصار عمر في إسلامه آية من آيات الإسلام.

تلك شهادة التاريخ، وهي شهادة ذات أهمية بالغة في مجال التربية.

إن انحرافات البشرية كلها في أي زمان وأي مكان وأي عمر وأي ظروف، لا تستعصي على العلاج حين يوجد المنهج الحق، مهما احتاجت من جهد.

إنما تستفحل وتستعصي حين لا تكون هناك تربية. أو حين تكون التربية والتوجيه فاسدين.

ولا نقول مع ذلك إن مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي رباه على عينه، وطبق فيه منهج التربية الإسلامية بكل تمامه، كان مجتمعًا ملائكيًّا أو كان خاليًا من الانحراف والمنحرفين.

كلا! وما يمكن أن يكون ذلك في أي مجتمع بشري على وجه الأرض ... فالبشر هم البشر ... وكل بني آدم خطاء.

وقد وجد في هذا المجتمع من يسرق ومن يرتكب الفاحشة.. كما وجد فيه المنافقون بكل كذبهم والتوائهم ولؤمهم وخستهم.

ولكن المعول عليه في هذه الأمور هو النسبة الغالبة، والتيار الغالب في المجتمع: أهو تيار الخير أم الشر؟ ولقد كان تيار الخير هو الغالب في هذا المجتمع الرباني ولا شك، مع احتفاظه بكل بشريته، ولكن في صورتها الفائقة، وفي مستواها الأعلى، الذي يقترب فيه الواقع من المثال، بل يتطابقان في كثير من الأحيان حتى لا تعود تعرف من شدة العجب أيهما هو الواقع وأيهما هو المثال!

وفي مثل هذا المجتمع يوجد الهبوط, ولكنه يكون أقل هبوطًا، ويوجد الانحراف ولكنه يكون أقل انحرافًا.. لأن المجتمع بأكمله -بجميع مستوياته النفسية والخلقية- يرتفع درجات إلى أعلى، فيزداد الخير خيرًا ويقل الشر حدة؛ ويظل الأبيض والأسود قائمين في المجتمع ولكن السواد لا يصبح هو الغالب، ولا يكون هو الشيء الطبيعي الذي لا يثير الاستنكار.

وبمثل هذا المقياس تقاس حقائق الأمور.

البيت والشارع والمدرسة والمجتمع إذن هي ركائز التربية الأساسية، وهي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015