وهنا قد يتشابه منهج عملنا مع منهج العمل في الفترة المكية: تأسيس العقيدة الصحيحة "ببيان المعنى الحقيقي للا إله إلا الله". ترسيخ معنى الطاعة لله والرسول. ترسيخ معنى التلقي من عند الله وحده, ونبذ التلقي من كل مصدر سواه. ترسيخ أخلاقيات لا إله إلا الله.
ولكنا مرة أخرى سنجد هنا فارقًا بيننا وبين العهد المكي.
ففي العهد المكي لم تكن معظم التشريعات قد نزلت بعد، ولم يكن المسلمون قد التزموا بها. أما نحن اليوم فما دمنا مسلمين كما نقول، فنحن ملتزمون بالإسلام كله، بتشريعاته وتنظيماته وتوجيهاته جميعًا. فنحن إذن -نظريًّا- في العهد المدني، حيث نحن ملتزمون بالإسلام كله، وواقعيًّا نحن قريبون من نقطة البدء في العهد المكي "على اختلاف في نقطة البدء ذاتها كما بينا" كما أننا نقف موقفًا مماثلًا للمسلمين في العهد المكي، من حيث إننا دعوة لم تصبح بعد دولة، ومن حيث إننا دعوة مضطهدة من الذين لا يحكمون بما أنزل الله.
وليس هنا مجال الحديث عن منهج العمل بالتفصيل.
إنما كنا نتحدث هنا فقط عن موضع القدوة في جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم. أين نقتدي بها وكيف. وبدأنا بتحديد نقطة البدء وهي بيان المعنى الحقيقي لشهادة لا إله إلا الله. ثم حددنا الخطوة التالية بأنها هي العمل على تحويل المجتمع الجاهلي إلى المنهج الإسلامي إلى أن تستقيم عليه أحواله، وينفض ما تراكم عليه من ركام الجاهلية الذي غشي على صورته الإسلامية.
ونضيف إلى ذلك أن أداة التحويل التي نحول بها المجتمع إلى المنهج الإسلامي هي التربية الإسلامية. ولا أداة غير ذلك.
وسواء قامت الدولة بالأمر أم قامت به جماعة ندبت نفسها للدعوة، فلا أداة لها إلا تربية جيل جديد على منهج التربية الإسلامية الذي ترتبت عليه الجماعة الأول، والذي ينبغي أن تتربي عليه كل أجيال المسلمين على مدى التاريخ.
وقد أشرنا من قبل إلى أنه يستحيل إعادة الشريط كما هو مرة أخرى في أي فترة من فترات التاريخ.
ولكن جوهر التربية الإسلامية لا يمكن أن يتغير، مهما تغيرت الصورة الظاهرة، ومهما تغيرت الملابسات في المجتمع.