وأن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط فيها إخلاص القلب، وبين إخلاص القلب بأنه عدم الشرك، وبين أنواع الشرك فعدد من بينها التحاكم إلى غير شريعة الله عن رضى ومتابعة1.

والحادث الآن في الأجيال القائمة هو هذه الجهالة بالمعنى الحقيقي للا إله إلا الله.

وبصرف النظر مرة أخرى عن كون الناس معذورين بهذه الجهالة أو غير معذورين، وعن كون مقتضى لا إله إلا الله -الذي يعطي الإنسان صفة الإسلام "وهو الإقرار بما جاء من عند الله، وعدم الرضا بشريعة غير شريعة الله" معلومًا من الدين بالضرورة أو غير معلوم "!! " فإننا معنيون بتحديد نقطة البدء. وقد تحددت لنا الآن بوضوح فيما أحسب. فإننا لا نبدأ بدعوة الناس إلى الاعتقاد بوحدانية الله، إنما نبدأ بشيء لم يكن طيلة ثلاثة عشر قرنًا يحتاج إلى بيان، والآن يحتاج إلى البيان، وهو حقيقة معنى لا إله إلا الله، وصلتها الوثيقة التي لا تنفصم بالحكم بما أنزل الله.

وهذا فارق أساسي بيننا وبين نقطة البدء في العهد المكي. ولكنه فارق يجعل الأمر بالنسبة للدعاة أسوأ!

لقد كان الجهد الذي بذله الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين في مكة -يؤيده الوحي- منصبًّا كله على إقناعهم بأنه لا إله إلا الله. ولكنه لم يبذل جهدًا على الإطلاق في إقناعهم- بعد أن آمنوا- بتحكيم شريعة الله، ولا بأن تحكيم شريعة الله هو مقتضى الإيمان بلا إله إلا الله. لأن هذه كما قلنا كانت بديهية في حسهم لا تحتاج إلى بيان. وكذلك لم يبذل صلى الله عليه وسلم جهدًا مع المنافقين في إقناعهم بأن التحاكم إلى شريعة الله هو مقتضى شهادة لا إله إلا الله. إنما كان -بتوجيه الوحي- يتحداهم بذلك ليكشفهم -لا ليجادلهم ولا ليقنعهم! كان يقول لهم- أو يقول الوحي إن كنتم مؤمنين حقًّا فآية إيمانكم هي التحاكم إلى ما أنزل الله:

{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015