كانت لا تخرج عن إحدى حالتين اثنتين: إما مؤمنة بالله الواحد، فمنفذة لشريعته المنزلة؛ وإما مشركة في الاعتقاد، تؤمن بوجود آلهة أخرى مع الله, فمنفذة حينئذ لشرائع الشركاء من دون الله.
أما أن نؤمن بالله الواحد ثم ننفذ شريعة غيره فخبل لم يحدث من قبل في جاهلية ولا في إسلام!
وبصرف النظر عن وضع الناس في أحوال كهذه الأحوال -وتلك قضية لا نتعرض لها في هذا الكتاب- فإننا هنا معنيون بأمر واحد: من أين نبدأ؟
وواضح أننا لا نبدأ بدعوة الناس إلى الإله الواحد، فتلك مسلمة عندهم ومستيقنة "بصرف النظر حاليًا عما يقع فيه عباد الأولياء والأضرحة من تشفيع الموتى من البشر عند الله, ونحر الذبائح لهم ليقوموا بهذه الشفاعة. فتلك مسألة في طريقها إلى الزوال التدريجي فيما أحسب". وإنما نبدأ ببيان معنى لا إله إلا الله. فتلك هي التي تحتاج عندهم إلى بيان وتعليم وتثقيف.
لقد عملت ظروف كثيرة في القرنين الأخيرين خاصة -ومن أهمها المخطط الصليبي الصهيوني لمحاربة الإسلام -على تجهيل المسلمين بحقيقة لا إله إلا الله، وفصلها فصلًا كاملًا عن قضية الحكم بما أنزل الله. لأن المخططين كانوا يعتزمون قتل الإسلام بتنحيته تدريجيًّا عن حكم الحياة الواقعية للناس. فبدأوا بتنحية الشريعة، ثم ثنوا بانتزاع المفاهيم الإسلامية واحدًا إثر واحد من أفكار الناس ومشاعرهم وتقاليدهم وأنماط سلوكهم، مع المحافظة التامة على المظاهر الزائفة للإسلام منعًا من إثارة الشكوك، كما قال اللود كرومر في كتابه "مصر الحديثة" وذلك حتى لا يتنبه المسلمون إلى الكيد المدبر لهم، ويظلوا في اطمئنان خادع إلى أن إسلامهم ما زال بخير، فلا يهبوا لنجدة العقيدة التي تقتلع من الجذور1.
من أجل ذلك ركزوا -وساعدهم في ذلك رجال دين محترفون- على الأحاديث النبوية التي تقول: $"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة". وهي أحاديث صحيحة ولا شك. ولكنهم أهملوا -متعمدين- بيان حقيقة "لا إله إلا الله" التي تدخل الناس الجنة، وصلتها الوثيقة التي لا تنفصم بالحكم بما أنزل الله.