ولقد كان جهدًا جهيدًا ما بذل في سبيل تربية هذه الأمة، وما بذلته هذه الأمة من نفسها لتستقيم على تربيتها الإسلامية.
جهد لم يخل من عثرات في الطريق وكبوات.
فقد عثروا يوم أحد بما استوجب تنزيل سورتين كاملتين: سورة آل عمران وسورة الأنفال.
وعثروا يوم حنين إذ أعجبتهم كثرتهم فلن تغن عنهم شيئًا, وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وولوا مدبرين.
وشق عليهم القتال يوم الأحزاب حتى زلزلوا زلزالًا شديدًا.
قال رجل من الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله. أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله كنا نجهد. فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض, ولحملناه على أعناقنا. قال، فقال حذيفة: يابن أخي! والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويًّا من الليل ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع -يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة- أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟ " فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني!
وعثروا في حديث الإفك حتى شق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا إلى أن نزل الوحي بتبرئة عائشة رضي الله عنها.
ولكن هذه كلها كانت دروسًا في التربية ... التربية بالأحداث.. كل حدث من هؤلاء كان يهز المجتمع المسلم كله هزًّا عنيفًا، ثم تتنزل الآيات فتلقي الدرس و"الحديد ساخن" فيترك الدرس طابعه بعد ذلك لا يزول.
ولكن مع هذه العثرات -البشرية على أية حال- كانت تلك النماذج الفائقة الفريدة في التاريخ:
النموذج الذي أنزل الله فيه:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
ونموذج تحريم الخمر ...