يرتبط القلب البشري بالله مزيدًا من الارتباط، ويتربى على التطلع الدائم إليه والتوجه إليه في الكبيرة والصغيرة على السواء.
والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك يحدثهم بأخبار من كان قبلهم. وعن صبرهم في الابتلاء، ويطلب إليهم الثبات والصبر والتعلق بالله، ويعطيهم من نفسه النموذج والقدوة في ذلك كله. فتمتزج دروس العقيدة ودروس التربية في مزيج واحد يصنع في نفوس المؤمنين -دون أن يشعروا- تلك التحولات الضخمة التي حدثت، فيخرجون من المحنة أصلب عودًا وأمضى ثباتًا، وقد ترسخت العقيدة في نفوسهم فلم تعد تقتلع، وترسخ منهج التربية الإسلامية في وجدانهم فاستقاموا عليه. وتجردت نفوسهم لله فلم تعد تبغي لنفسها شيئًا إلا الوصول لرضوان الله.
ولما علم الله من قلوبهم ما علم؛ علم منها إخلاصها وتجردها، واستقامتها على أمر الله واستعدادها للبذل في سبيل الله، أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وبدأت جولة جديدة في منهج التربية الإسلامية بعد قيام الدولة في المدينة.
في المدينة بدأ دور جديد للجماعة المسلمة، ودور جديد للتربية الإسلامية، يستند إلى الدور الماضي كله ويضيف إليه.
لقد صارت الجماعة المضطهدة المستضعفة المطاردة الخائفة جماعة آمنة مستقرة مستمكنة:
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 1.
وبرزت جوانب جديدة في حياة الجماعة المسلمة اقتضتها الظروف الجديدة، وبرزت بإزائها جوانب جديدة من النفس، في حاجة إلى توجيه، أو على الأقل في حاجة إلى تدريب عملي يؤكد التوجيه ويثبته ويعمق جذوره.
وكانت البداية الرائعة هي استقبال الأنصار للمهاجرين ذلك الاستقبال الفريد في التاريخ. إذ أفسحوا لهم صدورهم، وديارهم، وأموالهم. بل