سواء في أثناء مواجهة الجاهلية الضارية، أو بعد ذلك حين يحدث التمكين، وفي كلا الحالين يكون المطلوب نماذج فائقة من البشر، استطاعت أن تتجرد الله، وأن تحتمل المشقة في سبيل الله.
وفي اثناء الابتلاء كان القرآن يتنزل في مكة بقصص الأنبياء وقصص المكذبين من قبل على مدار التاريخ. إلى جانب المعاني الأخرى التي سردناها من قبل. وهي دروس في العقيدة ودروس في التربية في ذات الوقت.
دروس في العقيدة، تبين أن كل رسول أو نبي إنما جاء بكلمة واحدة لا تتغير: لا إله إلا الله. اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. فالعقيدة واحدة لا تتغير, عقيدة أزلية واحدة لا يدخل عليها تبديل ولا تحوير.. وتبين أن الجاهلية كلها وقفت موقفًا واحدًا هو الصد عن سبيل الله، ورفض لا إله إلا الله بادي ذي بدء، ومحاربة النبي والذين آمنوا معه بغية التخلص منهم ومن دعوتهم الخطرة على كيانهم, وسلطانهم الذي يمارسونه في الأرض بغير حق، ويستعبدون به الناس لأنفسهم من دون الله. وتبين أخيرًا المصير الحتمي للطغاة الذين يحاربون دعوة لا إله إلا الله، إذ يدمر اللهم عليهم وينجي رسوله والذين آمنوا معه ويمكن لهم في الأرض، بعد أن يملي للكفار فيزيدوا في طغيانهم، ويغتروا بانتصارهم المؤقت على دعوة لا إله إلا الله فيظنوا أنهم مبيدوها وقاهرون فوقها. ثم يأخذهم الله من حيث لا يحتسبون، وهم في ذروة النصر الوهمي وذروة الانتشاء.
تلك دروس العقيدة. وهي هي دروس التربية كذلك، فهي تقول لهم: لستم وحدكم على الطريق. إنما سبقتكم أمم ابتليت كما ابتليتم، وطغى عليها الطغاة كما طغوا عليكم، فصبروا على الاضطهاد والتعذيب والتشريد والتقتيل. فكونوا كذلك صابرين مثلهم. فهذا سبيل الدعاة وهذا قدرهم.
ثم هي تقول لهم: إن الله هو الذي يقدر ذلك كله. هو الذي يمد للطغاة، ليزدادوا كفرًا على كفرهم، وليبتلي المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، فرسخوا إيمانكم بالله لتخرجوا ناجين من الابتلاء، مستحقين عند الله حسن الجزاء.
ثم هي تقول لهم:إن الله هو الذي ينهي المحنة حين يحل الموعد المقدور في قدر الله. وإذن فسبيل المؤمنين هو الصبر حتى يأتي الله بالتغيير، وهو التوجه لله والتطلع الدائم إليه أن يكشف الغمة عنهم ويقرب الفرج إليهم.. وبذلك