على الابتلاء، وتشجيع على احتمال مثله إذا تعرض له في ظرف آخر. كأي تجربة جديدة قد يخشى الإنسان خوضها، فإذا خاضها بنجاح لم تعد تكرثه من بعد، حتى وإن كانت تكلفه الكثير من الجهد.

ويحدث ثانيًا أن يكشف الإنسان أن كثيرًا من "ضرورات" الحياة التي ظنها في الرخاء ضرورة حياة أو موت ليست في الحقيقة كذلك! فها هو ذا قد حرم منها ومع ذلك لم يمت! وها هو ذا قد حرم منها ومع ذلك لم يفقد من "حجم" الحياة وعمقها كثيرًا في نفسه، بل الأصح هو العكس. لقد زادت حياته غنى وعمقًا واتساعًا بألوان من المشاعر جديدة، رفيعة عالية، ما كان يحسها في الرخاء ولا يتذوق طعمها. وما كان يتأتى له أن يتذوقها لولا هذا الحرمان الإجباري الذي أوقعه فيه الابتلاء على كره منه! مشاعر وتصورات وأفكار ذات أعماق وأبعاد، وذات نور وشفافية وإشراق. حتى وإن كانت قاعدتها هي الألم، وغذاؤها هو الدموع.

ويحدث أخيرًا أن يرى الحياة الدنيا على حقيقتها، بحجمها الطبيعي. إن نفس الإنسان كحسه.. القريب منها تراه أضخم من حقيقته، والبعيد عنها تراه أقل من حقيقة.

ضع أصبعك قريبًا من عينك تحجب عنك كل ما وراءها من المرئيات رغم حجمها الصغير، وأبعدها عنك تراها على حقيقتها، ولا تحجب عنك إلا خطًّا ضئيلًا لا يكاد يؤثر في رؤيتك للأشياء!

والنفس كذلك وهي ملتصقة بالأرض خاضعة لجواذبها. تراها في حسها ضخمة جدًّا، وهائلة جدًّا، وحرية بأن يعيش لها الإنسان كل لحظة من لحظات حياته. ثم تبتعد عنها -أو تبعد عنها قسرًا- فتراها على حقيقتها. وترى ما وراءها مما كانت تحجبه وهي قريبة من الحس.. فتخف الثقلة فلا تعود مقعدة، وتخف الجذبة فلا تعود قاهرة. وتخف المشغلة فلا تعود هم الليل والنهار. وينطلق الإنسان من إسارها بجهد أيسر. أو بغير جهد حين يبلغ من التدريب مداه.

تلك دروس التربية في المحنة.. وهي دروس -كما ترى- لازمة للجيل الذي يقوم على أكتافه البناء؛ الجيل الذي يراد له أن يصنع صناعة خاصة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015