كما تهدده في أمنه وسلامته. وقد تكلفه حياته، موتًا في التعذيب أو إبادة بالقتل.

وأما التمكين فهو في حاجة إلى خلوص كامل وتجرد، لإقامة البناء على العدل الرباني، لا يميل مع المصلحة ولا الهوى ولا الشهوات، وإلا انتكس البناء وضاع الجهد، وانقلب الدعوة صدًّا عن سبيل الله:

{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1.

وهذه الصياغة الخاصة لا يمكن أن تتم في الرخاء السهل، إنما تتم في الشدة المحرقة.

وكما تدرب الجيش المحارب في الصحراء على احتمال العطش والهجير وزوابع الرمل، وكما تدرب الجيش المحارب في الصقيع على احتمال أقسى درجات البرد والريح العاصفة المدوية. فكذلك يتم تدريب الجيل الأول من الدعاة في ذات الجو الذي سيتعرضون له. فيدخلهم ربهم المحنة رحمة بهم لا غضبًا عليهم ولا قلى لهم. حتى يعودهم على الجهد. فلا يجهدهم العمل، ولا يجهدهم الاستمرار فيه.

إنها الرحمة إذن، والتربية الربانية، فضلًا على تمييز الخبيث من الطيب من أول الطريق.

إنه التدريب الرباني على تحمل المشاق، والإعداد الروحي والنفسي والعقلي والبدني للقيام بأخطر مهمة في هذا الكون كله: مهمة إقامة الخلافة الراشدة في الأرض.

ثم إنها فرصة لتدريب من نوع آخر، ضروري للدعاة بصفة عامة، وللجيل الأول من الدعوة بصفة خاصة.

إن الداعية لا يصلح أن يكون ملتصقًا بالأرض خاضعًا لجواذبها.

وحين يقوم المجتمع المسلم بالفعل، فقد يحتمل وجود أشخاص يلتزمون بأمر الله على حرف، ويوازنون أنفسهم -بالجهد- إزاء جواذب الأرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015