آمن حقًّا أن الله هو الرزاق وحده. وأما إن تزلزل يقينه فما عاد صالحًا لإقامة البناء.!
وهكذا ... وهكذا من تفصيلات العقيدة وفروع الإيمان. لا يتبين الإيمان على حقيقته إلا بالابتلاء في كل معنى من معاني هذه العقيدة، ولو بدت -في الرخاء- راسخة متينة لا تتزعزع.
وكذلك الأمر في أخلاقيات لا إله إلا الله.
ما أيسر الخلق الحسن في الرخاء! إنه قد لا يكلف شيئًا إلا مجاملات قليلة يبدو الإنسان بعدها غاية في حسن الأخلاق!
بل قد يخدع الإنسان ذاته في نفسه. فيحسب أنه صادق التخلق بأخلاق لا إله إلا الله.
ثم تجيء الشدة والحرج والكرب والضيق.
أو ما زال ذلك "المؤمن" على استعداد لأن يبذل من نفسه في الضيق ما كان يبذله في الرخاء؟
أو ما زال قادرًا على احتمال أخطاء الناس وتصرفاتهم المنحرفة؟
وحين يكون هناك اثنان. وفرصة واحدة. فرصة لاحت بعد كرب وشدة وحرج. فهل يسرع هو إلى اقتناصها مؤثرًا نفسه على "أخيه" في العقيدة، أم ما زالت في نفسه الفسحة التي يستطيع بها -ولو على كره- أن يترك الفرصة لأخيه. أم إنه يستطيع أن يؤثره على نفسه عن طيب خاطر. تقربًا إلى الله؟!
درجات من التخلق بأخلاقيات لا إله إلا الله. لا تتبين حقيقتها في الرخاء السهل. ولا تنكشف إلا في الشدة والضيق.
من هنا كانت حكمة الابتلاء المذكورة صراحة في آيات القرآن.
إن الجيل الأول من الدعاة، الذي يكون من قدره أن يواجه الجاهلية بكل عنفها وضراوتها في محاربة العقيدة والمؤمنين بها. حربًا تقصد بها الإبادة الكاملة, ولا تقصد بها الإبقاء. هذا الجيل في حاجة إلى صياغة خاصة ليحتمل التكاليف، وهي تكاليف باهظة عنيفة مرهقة، سواء في مرحلة المواجهة أو مرحلة التمكين حين يقدر الله التمكين.
فأما المواجهة فهي تعرض الإنسان للاضطهاد والتعذيب وانقطاع الرزق.