إنها ليست نزهة مسلية. ولا عرضًا قريبًا، ولا سفرًا قاصدًا.

إنها الدعوة.

إنها تشييد بناء متين يستظل فيه الناس بظل الله في الأرض، ويستروحون فيه عدله ورحمته، في ظل تحكيم شريعته.

بناء يقام لله. ويكون الحكم فيه لله. لا لشخص من الأشخاص ولا لمصلحة من المصالح ولا لهوى من الأهواء.

ثم إنه بناء في حاجة إلى حماية ووقاية من الأعداء، الذين يكرهون لا إله إلا الله، لأنها تسلبهم سلطانهم المغتصب وترده إلى الله، أو لأنها تضبطهم بميزان الله، وهم يريدون الانفلات بما تمليه عليهم الشهوات.

فمن أين لهذه العجينة الطرية العصية أن تخلص من نوازعها وجواذبها وهواتفها التي لا تفتأ تخرجها من قالبها المضبوط، وتبرز بها من هنا ومن هناك، لتستقيم على وضعها المنضبط، حتى تقيم العدل الرباني في الأرض، لا تميل به المصلحة ولا الهوى ولا الرغبات؟!

ثم أين لهذه العجينة الطرية العصية أن تصلب وتنضبط لتحتمل تكاليف الجهاد، والجهاد قائم بالضرورة لحماية البناء الرباني من الأعداء؟!

أفي الرخاء تتحول هذه العجينة إلى صورتها المنضبطة في القالب المطلوب؟ يعلم الله أن ذلك لا يكون.

إن العجينة الناضجة "على البارد" لا تحتمل الضغط ولا تثبت للصدام. وسرعان ما تتفلق من هنا وهناك!

لا بد من صناعة خاصة لأولئك الذين يقومون بالدور الأول إزاء الجاهلية، ويؤسسون للبناء.

وكما تحتاج العجينة إلى حرارة النار لإنضاجها، فكذلك تحتاج العجينة البشرية إلى حر الابتلاء.

في حر الابتلاء تثبت العجينة الطريَّة العصيَّة وتصلب، وتصح قادرة على الصمود والصدام.

وفي حر الابتلاء كذلك تترسخ العقيدة وتمتد جذورها في النفس حتى تتمكن منها، ولا تعود تقتلع أبدًا مهما اشتدت بها العواصف بعد.

إن الإيمان في الرخاء سهل، لأنه لا يكلف صاحبه كثيرًا، ولا يهدده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015