إن الجاهلية، أو الملأ صاحب السلطان في الجاهلية، يحس تجاه النبي القادم بلا إله إلا الله، كما يحس السارق المغتصب حين يرى رجل الشرطة يظهر في الطريق. يحس أنه قادم نحوه هو بالذات ليسترد السلطان المدعى. سلطان الله. ومن ثم لا يستطيع أن يهادنه أو يسكت على وجوده، طالما بقيت في يده بقية من سلطان!
والابتلاء الناشئ من عدوان الجاهلية على الرسول الداعي لا إله إلا الله وعلى الذين آمنوا معه يصبح بذلك سنة من سنن الدعوة. سنة ربانية لا تتبدل ولا تتخلف:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} 1.
ونحن الآن نتحدث في مجال التربية.
هل لا بد من الابتلاء في الدعوة؟ هل هو ضرورة "تربوية" للقائمين بالدعوة للا إله إلا الله؟!
إنها سنة، نعم، ناشئة من طبيعة الدعوة وطبيعة الجاهلية. ولكن ما دورها في "منهج التربية الإسلامية"؟!
لقد علم الله أنها ضرورة لازمة لتربية الجيل الأول على الأقل، الذي يحمل على أكتافه مسئولية التأسيس وإقامة البناء، فجعلها سنة دائمة مع ذلك الجيل الأول بالذات!
إن العجينة البشرية كما أسلفنا عجينة عصية. وإنه لا يكفي أن تضعها مرة في داخل القالب المضبوط لتستقر وحدها هناك! إنها دائمة التقلب والبروز من هنا ومن هناك بتأثير الدوافع القوية والجواذب العنيفة التي تجذبها نحو الأرض وتحركها فيها.
والدعاة بالذات. أو الجيل الأول من الدعاة بالذات، يحتاج إلى صياغة خاصة ليحمل تكاليف الحق. وإنها لتكاليف مرهقة تحتاج إلى تدريب وإعداد خاص.